رحلتي إلى السعودية

رحلتي إلى السعودية
جابر عبدالله الجريدي
وما حديث القصص والذكريات للإنسان حياة يلتقط من شريط ماضيه تلك الذكريات واللقطات الجميلة التي كل ماذكرها ظهرت بشاشة النفس على خديه، وتبرز ملامح السعادة على وجهه.
زيارتي إلى المملكة العربية السعودية كانت لمرة واحدة فقط لحد الآن في عمري، كانت هذه الزياره وانا ما زلت صغير السن، حديث عهد بالحياة لأنني لم اخرج قط خارج منطقتي حضرموت في حياتي، فكانت تلك الرحلة بصمةٌ رائعة مازلتُ اتذكرُ بعض مواقفها لأنها كانت وحدة فقط، وكانت تلك الرحلة وانا في سن الـ ٨ من العام ٢٠١١ ولمدة ٢٠ يوماً داخل المملكة العربية السعودية بين مكة والمدينة وجدة.
أذكر لكم خلالها ثلاثُ مواقف طريفة مرت بي:
الموقف الأول(عملية إختطاف):
في المدينة المنورة؛ كان الهدوء والسكينة، الراحة فيها والطمأنينة، في صغر سني كنت أخرج من الفندق إلى المسجد النبوي برفقة عائلتي في اليوم الأول والثاني، قررت الإعتماد على نفسي وان اتعمد التأخر في الفندق وعندما ينادونني بأنهم سيخرجون اقول اذهبوا فأنا تعبان ولن اذهب، استخدمت هذه الحيله ونجحت، ذهبت العائلة فخرجت انا كمنتصرٍ في نزال من شدة الفرح، ذهبت إلى المسجد النبوي وصليتُ الظهر وقررت العودة إلى الفندق، كنتُ متبختراً في مشيتي لأني أسير لوحدي كرجل دون عائلتي، بينما وانا امشي وقفت لأعبر من طريق السيارات منتظراً الإشارة، فجأةً إذ يشدني رجل من خلفي بقوة كعملية الإختطاف، إرتعبت وذهبت تلك البختره وانتهت البطولة فليتني طفلٌ يمشي مع عائلته، ضحك هذا الرجل وقال أأخفتك! كنت أقول في نفسي تباً لك أهكذا تُمازحني! هلَّا تأكدت أنه مازال لي هناك قلباً في جوفي! فقال لي من أين أنت قلت له من اليمن وانت؟ قال من الجزائر فقلتُ أهلاً بأخي الشرير.
الموقف الثاني(الضياع):
في مكة المكرمة؛ حيثُ تسكن فيها الأجواء الإيمانية والنسائم الربانية، بينما عائلتي في السعي كنتُ جالساً في مكان أخبرونا ان ننتظر حتى ينتهوا، اضطرت للذهاب إلى دورات المياه في ساحات الحرم وانا جالس أنظر إلى إفواج الناس، صبرت وانتظرت حتى تأتي العائلة ولكن لا مفر كانت الأشواط السبعة طويلة جداً فقررت انا الذهاب إلى الخلاء لوحدي، خرجتُ من الدرج فوجدت نفسي في منطقة عمل وكانت عملية توسعة للحرم المكي، كانت الساحة كبيرة والبول يضايقني فوجدت الحمامات وقضيت حاجتي وعدتْ، انا جديد على هذا البلد وكنت صغيراً وعادات بلدي تختلف كثيراً، وصلت إلى البوابات التي تصعد بك إلى الصفا والمروة فوجدتها أبواب كثيرة وجميع من هم على البوابات يتشابهون باللباس، قلتُ ماهذا أنا ضائع! أنا ضائع! ما الحل الآن وماذا أفعل، فلم أجد حلاً إلا أنني أبدأ من البوابة الأولى وابحث عن العائلة فإن لم أجدهم أعود وأكرر في الثانية والثالثة… وهكذا، كان يوماً شاقاً جداً حتى وجدتهم في البوابة رقم 9 لما وصلت عندهم سألوني وعاتبوني، فقررت الإنتقام وكذلك اريد ان اريح نفسي لتعبي الشديد، قلتُ أنني سقطت في الدرج ورجلي تؤلمني فلا أستطيع السير، فاحملوني.
الموقف الثالث(صِدام):
في مدينة جدة؛ طيبة أهلها، وهدوء جوها، لايوجد بها زحام كمكة والمدينة، جلسنا عند خالي وهو يقيم هناك، في إحدى الأيام قرر عيال خالي ان نذهب إلى السوق للتسلية والشراء، طبيعة الأسواق في بلدي تختلف عن أسواق المملكة الف درجة مئوية، انا كنت أتأخر في المشي لشدة فضولي وشوقي لأرى الأسواق الرائعة في السعودية التي يصفونها لنا المغتربين، كانوا امامي ودخلوا احد المحلات التجارية وكان ابن خالي ينادي علي ويشير من خلف الزجاج الذي على مدخل هذا السوق، أنا لا أعرف شيئاً كنت أركض اليه بشدة وشغف كما نقول (مزوغف) ولا أدري انهم يعملون زجاج كهربائي على المداخل يُفتح بمجرد الوقوف امامه، وكان نظيف جداً لا يتبين لك ان هناك زجاج، كنت أركض وبينما انا قريب من ابن خالي وثبتُ عليه مُزاحاً إذ بالزجاج يُرديني على الأرض طريحاً، كان حادثاََ موجعاً بالنسبة لجسدي، قضقض الزجاج عِظامي، كانت فرصة عظيمة استغلها ابن خالي للضحك والإستهزاء، وانا كسير الخاطر، مهزوم المشاعر، كئيب الحال حيث إنقلبت الأفراح أحزان.
كانت مواقف إختطاف وضياع وصِدام.
شكراَ لمن قرأ هذه اللحظات، وروعة هذه الذكريات التي عشتُها لبرهة من الزمن، أيامنا الخوالي رائعة ليتها تعود.