ذكاء التكيف

ذكاء التكيف
رؤى مصطفى
كانت لها خطط مرسومة منذ سنوات، كل حركة محسوبة، وكل كلمة موزونة بدقة متناهية. كانت تثرثر كثيرًا مع من حولها، تبدو بلا همّ، وكأنها مجرد امرأة عابرة في حياة الآخرين. ولكن كل كلمة تُفصح عنها كانت جزءًا من خطتها، كل جملة تُلقيها بلا وعي من المقربين لها كانت تُسجل في ذهنها، تُحلل، وتُحوّل إلى قوة لصالحها. حتى النفس الذي تتنفسه كانت تحسبه بدقة، بالساعة الموضوعة على ساعدها، ونبضات قلبها لم تهرب من حسابها الدقيق.
جلست في المقهى مع صديقاتها، تضحك وتثرثر، متبادلة أطراف الحديث عن الحياة والمناسبات اليومية. كل ضحكة وكل كلمة كانت جزءًا من شبكة ذكية نسجتها بصمت.
قالت إحدى صديقاتها: “سمعتِ بما حدث مع سارة؟ يبدو أن الأمور خرجت عن السيطرة!”
ابتسمت البطلة بابتسامة هادئة، دون أن تظهر أي اهتمام: “ربما، لكنها ستدرك الحقيقة عاجلاً أم آجلاً.”
لم يشعر أي منهم بأنهم يقدمون لها معلومات مجانية. كل معلومة صغيرة كانت تُسجّل في ذهنها لتصبح لاحقًا أداة في خطتها الذكية. لكنها لم تعد تفكر بالانتقام منهم، بل ركّزت على فهم سلوكهم وتحركاتهم، والتكيف معها بحكمة.
مرت الأيام، وخيوطها تمتد بهدوء بين الناس، كل شخص يقع في مكانه الطبيعي، وكل تصرف صغير كان يُحلّل بذكاء. حتى أولئك الذين ظنوا أنهم يعرفونها، اكتشفوا لاحقًا أن ابتسامتها كانت مجرد ستار لفهم أعمق.
ثم جاء اليوم الحاسم. وقفت البطلة في غرفة مكتبية صغيرة، تواجه أحد المقربين لها، الذي لم يكن يعلم أنه جزء من خطتها.
“أعتقد أن الوقت قد حان لنرى من كان يقوده الحظ، ومن كان يدرك اللعبة بالفعل،” قالت له بابتسامة هادئة، عينها تتلألأ بالحذر والدهاء.
ردّ المقرب بابتسامة خفية، عيناه تتأملانها بعمق: “ربما كنتِ تعتقدين أنك الوحيدة التي تفهم، لكن أحيانًا، حتى أفضل الخطط تحتاج للتكيف مع ما لم يُحسب مسبقًا.”
في لحظة صمت، شعرت البطلة أن الأمور قد خرجت عن مسارها المتوقع. لكنها لم تفقد السيطرة، بل استخدمت كل معرفتها بسلوك الآخرين، وكل معلومة حصلت عليها بلا وعي، لتتكيف مع الوضع في اللحظة الحاسمة.
وفي نهاية المواجهة، خرجت البطلة أقوى وأكثر حكمة، لكنها تغيرت. كل ابتسامة وكل كلمة وكل نفس لها أصبح له وزن حقيقي. لم تعد تفكر في إسقاط الآخرين أو الانتقام منهم، بل ركّزت على القدرة على التكيف مع من حولها، وفهم الناس والتصرف بذكاء في كل موقف.
وفي اللحظة الأخيرة، ابتسمت لنفسها، وعلّمت خيوط حياتها درسًا واحدًا: الذكاء الحقيقي هو معرفة متى تتحرك، ومتى تتكيف مع الآخرين، لتصبح السيطرة في فهم العالم وليس في إسقاطه.
كاتبة رأي وقاصة