كُتاب الرأي

كل اللغات صعبة إلا لغة الإنسانية

كل اللغات صعبة إلا لغة الإنسانية

نتعلم في حياتنا لغات متعددة: العربية، الإنجليزية، الفرنسية، وغيرها، نُتقن النحو والصرف والمفردات، لكننا أحيانًا نفشل في فهم إنسان يقف أمامنا دون أن ينطق بكلمة. وهنا تتجلى الحقيقة الكبرى: كل اللغات صعبة… إلا لغة الإنسانية تلك اللغة التي تتجاوز حدود اللسان.
في الجامعات نتعلم لغات كثيرة وأيضا في المدارس بعضها سهل وبعضها معقد لكننا غالبًا نغفل عن لغة تولد معنا بالفطرة: لغة الإنسانية هذه اللغة لا تحتاج إلى تعليم إنما هي بحاجة إلى يقظة ضمير وانتباه قلب في عالم تتسارع فيه اللهجات واللهجات المضادة وتتصاعد فيه الصراعات السياسية والثقافية والدينية تبقى اللغة الإنسانية هي الملاذ المشترك بين كل البشر مهما اختلفت ألسنتهم.
ما هي لغة الإنسانية؟
هي مجموعة من التصرفات والمشاعر التي تنبع من القيم المشتركة بين الناس، كالتعاطف مع المتألم، واحترام الآخر، والتسامح مع الخلاف، والرحمة دون مصلحة.
هي لغة لا تعتمد على المنطوق، بل تعتمد على النية والموقف والفعل، لغة القلوب النقية التي تتواصل بصمت وتداوي دون كلمات.
ليست حروفًا تُكتب، ولا قواعد تُحفظ، ولا صوتيات تُنطق إنها لغة لا تدرّس لكنها تمارس وفق معايير تتطلب فهمًا شعوريًّا وتستخدم في كل زمان وكل مكان وفي أي بلد مع أي إنسان، لا تتطلب حفظًا للمعلومات، ولا تميز بين جنسية أو دين، أو عرق، ولأنها تفهم كل الثقافات حتى دون كلمات فإنها تعد الأعرق بين كل اللغات.
هي نظرة عين صادقة، لمسة حنان، ابتسامة في وقت الشدة، صمتٌ يفهم، أو وقوف بجانب من لا يستطيع التعبير، لنأخذ أمثلة شهدتها بنفسي، في أحد مطارات أوروبا سقط رجل مسن على الأرض دون أن يستطيع التحدث فهرع إليه شاب عربي لا يفهم لغته لكنه ابتسم، ساعده وسقاه ماءً، لم تُنطق كلمة لكن المشهد كله صرخة إنسانية، مثال مغاير أيضا حصل أمامي طبيب ومريض لا يشتركان في اللغة، الطبيب ألماني لا يفهم العربية والمريض لا يفهم الألمانية لكن نظرة الطمأنينة، ويد تُربّت على الكتف كانت كفيلة لتقليل خوفه قبل العملية.
إنها اللغة التي لا تحتاج إلى مترجم، ولا تتطلب معرفة سابقة، بل تتحدث مباشرة إلى القلب.
اعلم وفقك الله أننا في عالم يعج باللغات وفيه تضيع المعاني أحيانًا، وفيه أصبحت العبارات منمّقة، والكلمات كثيرة، والتواصل أسرع، ولكن القلوب أبعد. قد نُتقن الحديث بلغات أجنبية، ونعجز عن فهم بكاء طفل، أو حزن مسنّ، أو احتياج صامت في عيون من حولنا.
لغة الإنسانية لا تحتاج إلى شهادة، بل إلى شعور تتكلم فيه القلوب قبل الأفواه، عندما تساعد شخصًا لا تعرفه، دون مقابل… أنت تتحدث لغة الإنسانية، حين تسامح من أساء إليك، رغم قدرتك على الرد… أنت تتحدثها.
حين تحترم عامل النظافة، أو تبتسم لطفل خائف… فأنت ناطق بطلاقة بهذه اللغة العظيمة.
آخر الكلام
إذا عجزت عن نطق لغتك الأم فلن تعجز عن ابتسامة صادقة
يقول تشارلز ديكنز لن تصبح إنسانًا حقًّا حتى تشعر بألم الآخرين وكأنه ألمُك، ومن أقوال لويس مونفورد: أن تكون إنسانًا هذا أعظم من أن تكون مثقفًا.

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى