كُتاب الرأي

” دو ري مي فاصولا 🎵 “

” دو ري مي فاصولا 🎵 “

…………..

في زمن كثرت فيه المؤثرات الصوتية والتصنع الفني، بات من الصعب التمييز بين الفن الهادف والضجيج المبتذل .
ومن هنا تبرز الأناشيد كبديل نقي وصادق ، يحمل رسالة، ويخاطب الروح والعقل ، لا الغرائز .

الأناشيد تتميز بمحتواها القيمي والأخلاقي ، وتبتعد عن التهريج والتفاهة المنتشرة في كثير من أغاني العصر الحديث ، التي غالباً ما تروج للسطحية والانحلال ، وتخلو من أي مضمون حقيقي . بينما تحافظ الأناشيد على لغة مهذبة ، ونغمة هادئة، وأهداف سامية، سواء في المجال الديني أو الوطني أو الاجتماعي.

ليست المشكلة في الموسيقى بحد ذاتها ، بل في انحدار الذوق ، وتضخيم من لا يستحق ، وتحويل الفن إلى وسيلة تسلية بلا حدود .
لذلك ، فإن العودة إلى الأناشيد هي عودة إلى الفن الذي يحترم عقل الإنسان ووجدانه ، ويغذي فيه الجانب القيمي لا الاستهلاكي.

باختصار ، الأناشيد تمثل الفن الذي يسمو ، بينما تمثل كثير من أغاني اليوم فناً يهبط بالمستوى .
والفرق بينهما كالفرق بين غذاء الروح وغذاء اللحظة الزائلة.

وكم هو مؤسف جدا في هذا الزمن حين تحولت الموسيقى إلى تهريج والتفاهة إلى “فن” فأصبح الجيل الحالي لا يستطيع التفريق بين الغث والسمين .

نحن الآن في زمن لم يعد يُفرق فيه بين الإبداع والابتذال ، وبين الفن الحقيقي والعبث ،
نعم ، تتردد على مسامعنا ألحان جوفاء ، وكلمات بلا روح ، تُروج على أنها “فن معاصر” . وأصبح من المعتاد أن تجد أغنية تتصدر قوائم الاستماع ، بينما هي لا تتجاوز كونها مجرد تهريج لفظي وموسيقي ، تستند إلى ضجيج الإيقاع أكثر من عمق المحتوى . إنها أزمة ذوق قبل أن تكون أزمة فن.

إن هذه النوتات الست التي كانت مفتاحا لسيمفونيات خالدة ، صارت اليوم تُستغل بأسوأ الأشكال في أغانٍ لا تحمل من الموسيقى سوى اسمها . لم يعد المغني بحاجة إلى صوت ، ولا الكاتب إلى شاعرية ، ولا الملحن إلى موهبة. كل ما يحتاجه “المنتج الفني” الآن هو كاميرا هاتف ، وأداة تعديل صوت ، وبعض الحركات المبتذلة ، ليطلق على نفسه لقب “فنان”.
للأسف لقد وصلنا إلى مرحلة يعتبر فيها الكلام التافه هو ذروة الإبداع ؟
فكيف يُستقبل هذا النوع من الأغاني بملايين المشاهدات ، بينما تُنسى الأعمال الراقية والمجهود الحقيقي الذي يبذله الفنانون الحقيقيون في الأناشيد ؟
التهريج بات يُكافأ ، والتفاهة صارت تُكرّم، والمستوى ينحدر أكثر كل يوم .

إن الذوق العام لا يتشكل من فراغ . بل إن الإعلام ، والمنصات الرقمية ، وشركات الإنتاج، جميعها ساهمت في هذا التدهور .
وعندما يصبح المعيار هو عدد النقرات والإعجابات ، بدلاً من القيمة الفنية، فإننا نفتح الباب واسعا أمام الرداءة لتنتشر ، ونُغلقه في وجه الإبداع الحقيقي.

لقد آن الأوان إلى الحاجة لمراجعة شاملة لما يُقدم باسم الفن ، وإلى وقفة جادة تُعيد للأذن إنسانيتها واحترامها.

ابتسام عبدالعزيز الجبرين

 

ابتسام عبدالعزيز الجبرين

نائبة رئيس التحرير ( كاتبة رأي ومؤلفة )

تعليق واحد

  1. أحسنتِ اختيار الموضوع والكتابه فيه
    فعلا الأناشيد تغذي الروح والأذن وتخلق في النفس صفاء ووقار
    وللأسف أصبح تدني الذوق حقيقة تحيط بنا، إلا من رحم نفسه وأدرك طرق الرقي والانتقاء السليم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى