“دود النخل منه وفيه”

سمعتها من أحد النخّالين، “العم سامر” الأشيب، أحيانًا كنت أتساءل ما إن كانت شيبته نتيجة خوفٍ أُصيبَ به، أم الطعنُ في السن علةُ كل هذا البياض اللامتناهي، إلا أني ما وجدت من في الأربعين أشيبًا!
ألقى كلمته هذه، فسَبحتْ في فِكري، وأحاط بعقلي سُرادقها، فأصبحت لا أفكر في شيء إلا بها، ثم أُلهِمْتُ، ما أشبه هذا المَثل بحالِ الفارغين اليوم!
وكما ذُكرَ في الحديث الشريف: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ”.
فلا هو منتفعٌ من فراغهِ فيطلبُ رزقًا، أو عِلمًا مستعينًا بصحته.
ودودَة النخلة، تنخر داخلها، دونَ ما إظهار على وجودها، كأنها الأشباح التي كنت أتخايلها في صِغري، كمثلها الفراغ، ينخرُ داخل الإنسانِ مستترًا، إلا أنه يشعرُ بألمه، ولا يشعرُ بمآله، فامتزج اللاشعور بالشعور، وطالما غلب اللاشعورُ الشعورَ، فكان هلاكُ ذلك الإنسان، جريرة اللاشعورية، فتراه عندما يطولُ فراغه، منخورَ الفِكرِ لا تستقيمُ له غاية، قلقًا، مستأرِقًا، خاوٍ وضائع، أكل الفراغ روحه، وأُنسه، وسعده.
حتى إذا يأسَ من هذه الحال، بات يلهث وراء موتٍ يصيبه، أو قارعةٍ تهلكه، فغالبًا تُرمى له شِراكُ مهلكاتِ العقل، سالباتِ المروءة، مُلحقات سبة الدهرِ، حتى يدمنها، ويكون فراغه ماديًا ومعنويًا، فيموتُ حيًا.
أحمد الشنقيطي
كاتب صحفي