كُتاب الرأي

دوائر الاهتمام

 

على طول الدنيا وعرضها تبقى الأعمال والواجبات والتكاليف التي يجب على الإنسان القيام بها وتنفيذها كما ينبغي وعلى الوجه الصحيح ؛ ربما كانت أكبر وأعظم من الإمكانات والطاقات التي يملكها ، بل ربما يحتاج من الأوقات الكثير حتى يستطيع إنجاز تلك الأعمال والتكاليف وتحويل الأفكار والمهام والمسؤوليات إلى واقع عملي يرضى عنه ويشعر أن تلك الجهود قد آتت أُكلها ضعفين.

فكيف بالذين لا هم لهم ولا شغل ولا عمل إلا التفنن في قضاء الأوقات في الحديث عن أحاديث الناس وأقوال الناس وأعمال الناس ؟

كم يشغل الفئام من البشر الماركات من الصناعات ؟!
وما آخر صيحة في الموضات والموديلات ؟!
وهل هذه الألوان هادئة أم صارخة قوية ؟!

وما أسعارها مقارنة بماركات العام الماضي ؟!
وما الجديد في عالم الدعايات والإعلانات ؟
ومثل ذلك في ماركات الملابس العالمية !
ومثل ذلك في جديد الجولات والسيارات ؟!
وما هو جديد هذا العام ؟ !

وهل موضات العام الجديد تقليدية كلاسيكية
أم مودرن جديد وحديث ؟!

وهكذا قل عن الإكسسوارات والملبوسات
الذهبية والشنط وغيرها ؟!

إن ذهاب بعض الناس إلى الغوص في تفاصيل التفاصيل والتي لا فائدة منها على الحقيقة ؛ وأن تلك المعلومات والمعارف التي حصلوا عليها بعد ضياع وقت وجهد وفكر عزيز لا تسمن ولا تغني من جوع ! ، والحصول على المعارف والمعلومات الأساسية والمهارات كان هو الأولى والأعلى والأرقى فقد عادوا بعد جهد ووقت وتعب بلا فائدة إلا ببعض المعارف والمفاهيم التي لا تضر الجاهل بها ولا تنفع العالم .

إن جوانب دوائر الاهتمام عند كثير من الناس يحتاج إلى مراجعات كثيرة وكبيرة ومبسوطة وتوظيف جميع العقول والأوقات في إدراك احتياجاتهم على مستوى الأفراد وعلى مستوى الأسر الكريمة والعوائل المحترمة !

وهل هناك حاجة ماسة إلى حصر وجمع المعلومات والبيانات التي تظهر علينا في حياتنا اليومية والأسرية والمجتمعية ؟! .

ظواهر عالم النساء وشغلهن الشاغل في متابعة تفاصيل حياة المشاهير في قنوات ووسائل التواصل الإجتماعي!

كذلك ظواهر هذا العالم في الطلعات والاستراحات وأماكن الرياضة والمشي وتخفيف الوزن وممارسة اليوجا وحشد بعضهن بعضاً لتنفيذ هذه أو تلك من المهام والمسؤوليات والأدوار .
إن كان هناك في الأمر حاجة ماسة صحية بدنية أو صحية نفسية فلا بأس في ذلك كله .

ربما غلب على ظن بعضنا أن الوقت النفيس من الثواني والدقائق والساعات والأسابيع والأشهر والسنوات هي ملكنا ويمكننا التحكم فيها والسيطرة عليها وأنها رهن أمرنا ويمكن لنا بإشارة واحدة سحرية إعادة ما فرّطنا فيه من أوقات ذهبت أدراج الرياح! ربما بعضنا يظن ذلك وهو يتفنن في إهدار لحظاته وثوانيه ودقائقه وساعاته وربما أيامه ولياليه في أمور ومواقف وموضوعات أقل ما يقال عنها العلم والجهل بها سواء فهي أقل من يقف عندها عاقل يهدر فيها كنوزه الثمينة.

وإذا كانت دوائر اهتمام بعض الناس في فهم تفاصيل بعض التفاصيل وحصل فيها فهم عميق وعلم وكانت مصدر رزق حلال فهذا شيء عظيم ؛ وهو مفرح ومبهج ويسعد الآخرين أن نرى ونشاهد من تعمّق وتخصص في صناعة
المحتويات الإعلانية والدعائية ومن تخصصت في مواقع الماركات وكانت لها مصدر إلهام ومصدر رزق ومن تخصصت في تقديم الدورات التدريبية القصيرة فيما يهم الأسرة والحياة الزوجية السعيدة وفي تربية الأطفال وتهذيب سلوكهم ومن تخصص في الشبكات وتصميم المواقع الإلكترونية ومن أصبحت له مادة ترفيهية تربوية هادفة يحصل منها على رزقه هذه كلها صور إيجابية جيدة ومشرفة في دوائر الاهتمامات،
وندعو إليها وإلى أن نجعل من هؤلاء قدوة في السعي مثلهم والحصول على المعارف والمهارات التي تكون مصادر دخل ورزق ومعيشة .

إن الأعداد الغفيرة من الناس مقلدون مشاهدون ناقدون متحدثون لاهون لا عبون لا يضيفون شيئاً ذا بال للمشاهد الحية الفاعلة ؛ بل يشغلون أنفسهم بما لا ينفعهم وقد يضرهم
ساعات مضع الأحاديث وصناعتها عن الناس دون فائدة في الدنيا والآخرة، وتنصيب أنفسهم محللين ناقدين وناقمين على عوالم الرياضة وعوالم الإقتصاد وعوالم الثقافة والأدب وعوالم التربية والتعليم وعوالم السياسية وغيرها ،
فهم يتحدثون ويخوضون ويقولون ويهرفون كثيرا فيما لا يعرفون.

إن دوائر الاهتمام عندنا معاشر البشر والناس والعالم يجب ضبطها فيما يعود علينا بالنفع والفائدة في معاشنا ومعادنا في
حياتنا اليومية والأسرية والمجتمعية وما سوى ذلك يجب أن نتوقف عنده ، ونحاول صناعة أعمال تخصنا وتهمنا وتعود علينا بالنفع العاجل والآجل .

إن تحديد دوائر الاهتمام لأطفالنا من الصغر مطلب في التربية والتهذيب وحسن التنشئة لهم ومساعدتهم على أن
يكونوا صناع خير ودوائر وحلقات وألوان متكاملة ومنسجمة مع بعضها .
علينا معاشر الآباء والأمهات تبصير الأجيال بأفضل دوائر الاهتمام ، والمساعدة في توجيه البوصلة لهم ودعمهم وتشجيعهم وتحفيزهم وتصحيح رؤيتهم للأشياء والقدرات والملكات والمواهب وأنها متكاملة متعاونة .

معاشر الآباء والأمهات اعملوا على أنفسكم وعلى أولادكم فيما يملكون ويحبون وركزوا في مدراج الحياة الدنيا الواسعة على تنمية ما يملكون من الطاقات والقدرات والمواهب وأقتناص الفرص المناسبة والذهاب في مواهبهم وطاقاتهم
واهتماماتهم إلى أبعد أبعد نجم ترونه ! وإلى تحقيق رؤية
في مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر للوصول إلى وطن طموح
واستعينوا قبل وأثناء وبعد بالله تعالى:
( فاللهُ خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين ).

وصدق شاعر العربية الكبير أبو الطيب المتنبي رحمه الله تعالى:

إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ

فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ

فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ

كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ !

 

المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض.

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى