آفاق في عين العالم

أرابيسك

وليد قادري

أرابيسك

أتحدث هنا عن هذا المسلسل الرائع من إبداع المصري الراحل أسامة أنور عكاشة مؤلف رائعة (ليالي الحلمية)، والذي كان من بطولة الفنان القدير الراحل صلاح السعدني في دور (حسن أرابيسك) فنان الأرابيسك الجمالي العريق، ويحكي المسلسل برمزية عن الحال التي مرت بها (مصر) في فترتي الثمانينات والتسعينات، يتفق مع حسن أحد أصدقائه المغتربين لأن يرمم لهم (فيلا) عتيقة ورثها، وفي نهاية المسلسل يقرر (حسن أرابيسك) أن حال الفيلا لا يسر، والحل هو في هدم الفيلا وبنائها من جديد، ويقصد بالطبع أن هناك مشاكل كثيرة في (مصر) وقتها ولا بد من التضحية والهدم ثم بناء الدولة بمعايير أفضل وذلك إشارة للدستور والبيروقراطية..

كنت قد كتبت قبل أعوام عن وضع مدينتنا (جيزان) مع التوسع الحالي فاقترحت تخطيط مدينة جديدة خارجها قريبة من المدينة الاقتصادية، وبعدما يستقر الناس فيها يتم إصلاح وتهيئة المدينة القديمة لتكون (داون تاون) عصري، بدلا من الاصلاحات المتكررة على بنية تحتية مهترئة وهذا ما تم إلى هذه اللحظة وذات الحال في مدينة (جدة) كما نعرف..

تحتاج أحيانا لتطبيق نفس الفكرة في المؤسسات المختلفة حينما نريد التغيير للأفضل، وحتى على الصعيد العقلي والفكري في شخصياتنا فتهدم المعتقدات البالية لتفسح المجال للأفكار العظيمة..

ثيمة (الهدم ثم البناء من جديد) ليست جديدة على صعيد الحضارات والشعوب، ولعل أول إشارتين لها في كتاب الله العظيم تتمثل في قصة خلق سيدنا (آدم) عليه السلام حينما جادلت الملائكة بمن سفكوا الدماء على الأرض، فكان البشر هم اللبنة الأخيرة للبناء في كوكبنا ليكملوا إعماره ويعبدوا الله كما أمروا، والإشارة الثانية في قصة الطوفان مع سيدنا (نوح) عليه السلام، ذلك الطوفان الذي جاء ذكره في الكتب السماوية والعديد من المرويات الموروثة في أساطير بابل وفينيقيا واليونان والمايا وغيرها من الشعوب، ويقال أن القارة الغامضة (أتلانتيس) كانت إحدى ضحايا هذا الطوفان الرهيب..

عندكا حانت هجرة الرسول ﷺ وكأنها تشير إلى هدم عادات الجاهلية والبدء من جديد في يثرب في مجتمع أقرب ما يكون ل(يوتوبيا) الأفلاطونية التي بحث وما يزال يبحث عنها المثاليون في العصور المتأخرة، وأيضاً نذكر قصة هجرة الانجليز والايرلنديين هرباً من بطش الكنيسة الكاثوليكية إلى العالم الجديد – والذي لم يكن جديدا بأي حال من الأحوال فقد سبق كولومبس إلى اكتشافه شعوبا عديدة منها الفراعنة والعرب والفايكنج من جهة الأطلسي والمغول من أقصى شمال غرب روسيا والدلائل التاريخية عديدة على ذلك – وعندما هاجر الأوربيين لأميركا قرروا أنها بداية جديدة وأسسوا دولة عريقة مرت بمراحل وتضحيات عدة وجرائم يندى لها الجبين ضد السكان الأصليين والزنوج الذين أحضروا كرقيق، وكل ذلك كان ينصب تحت مبدأ (اهدم وابدأ من جديد)..

وحدهم سادة البشر الأنبياء عليهم السلام هم من كان تغييرهم حتميا وفي مصلحة البشر ولم يلجأوا للقتل والتشريد بل أدوا أمانتهم وبلغوا وحذروا حتى جاء أمر الله..

يتحدث الروائي دان براون في رائعته (الجحيم) عن عالم مجنون أراد أن ينشر فيروسا يقضي على البشر لأن عددهم زاد عن الطاقة الاستيعابية للأرض ومواردها التي ستنضب يوما ما، وقرر أن الحل هو في تخفيض عدد السكان، فيطارده بطل الرواية روبرت لانغدون في رواية شائقة تنتهي بمفاجأة كعادة كتابات دان براون، وهنا استخدام لذات الثيمة التي ذكرناها، اهدم وابدأ من جديد..
نفس الهاجس سمعته وقرأته عند الكثير من الكتاب الغربيين وخصوصا المهووسون بنظرية المؤامرة، ومن ضمن هذه الشواهد نصب (جورجيا) الغامض الذي يشدد على ضرورة تقليص عدد البشر إلى 500 مليون وإلا ستكون العاقبة وخيمة..
يذكرني ذلك بأفلام مثل knowing – prometheus و 2012 والتي تتحدث أيضا عن البدايات بعد الدمار الشامل..

قد يكون هناك من حولنا من يريد أن يطبق نهاية مسلسل أرابيسك علينا، فيهدم ويضحي ثم يبدأ من جديد، فهل يكون (النظام العالمي الجديد) مسؤولا عن ذلك؟!
الله أعلى وأعلم، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين..

كاتب وقاص

وليد قادري

كاتب رأي وقاص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى