كُتاب الرأي

خادم القوم ..

فاطمة سعد الغامدي

 

خادم القوم ..

الثقة بالنفس تأتي من التغلب على مصاعب الحياة، ومن تخطي العقبات والحواجز؛ ومن ثم من النجاحات.

لا يمكن أن تصنع ثقة بنفسك وأنت نائم، ولم تلمس الريح، أشواك الحياة.

في جلسات التدريب، يصرّون على أن الثقة تُبنى من بيت الأسرة، من أم تمنح ابنها “شهادة نوبل” رغم عدد مواد الرسوب، وأب يلبس ابنه تاج الملوك حتى لو كان عاملًا بسيطًا..

قد تكونون على حق.. فما ظنكم بيتيم يملك أكبر شركات في العالم؟ أو مريض بمرض عضال يدير هذه الشركات؟!!

الثقة أحبتي تصنعها ممارسات الخطأ والمحاولة. النجاحات تارة، والإخفاقات تارة، المهارة اليدوية والحرفية، أن تتقن كل شيء كالخباز والحداد والطباخ وهكذا.

ما قيمة أن تحاضر وأنت لا تجيد قيادة السيارة؟!! ولا تعرف مكوناتها الداخلية، ولا مكامن قوتها أو ضعفها؟!

ثم يأتيك عامل بسيط، عند تعطل سيارتك، ليخبرك بكل ذلك في مكان معزول!

ما قيمة فصاحتك عندئذ؟ أو ذاكرتك؟ أو سجل محاضراتك الفاخرة؟ أو قلمك الذهبي؟

لست ضد الأبهة أو الجمال والمظهر، ولكنني ضد الشخص الأجوف، الذي يغرق في “شبر ميه”!

ما قيمة أستاذة تحاضر عن السعادة الأسرية، مع أنها لم تصنع حلوى يومًا، أو حتى كعكة لأبنائها!!

ثم تأتي خادمة فقيرة لتنصحك بضرورة إضافة الحليب لأنه مغذٍ ويمنح الكالسيوم، أو العسل لأنه مضاد ومطهر.

نحن كذلك يا سادة:

نتحدث فقط، والعمال يعملون.

يخبزون، يطبخون، يصلحون سياراتنا.

قد يبصقون في أطعمتنا، قد يغشّون زيوت سياراتنا، قد يفسدون أشياءنا الثمينة، لأنهم يتقنون العمل، ويثقون بأنفسهم، ويعرفون لبنة البناء الأساسية.

بينما نحن، تنتهي أدوارنا بإغلاق المايكروفون وغرفة التنظير.

ولذلك، تنتشر في أوساطنا الشائعات، رغم علمنا الغزير وشهاداتنا الوقورة؛

إشاعة “الرز ولحم الكلاب”، أو السيارة التي سينتهي عمرها الافتراضي في ثلاث سنوات ولم ننته بعد من سداد أقساطها، أو إشاعة القرارات رغم أننا لم نقرأ تعميمًا عن تلك الشائعات.

ومن ذلك: هروب الموظفين والموظفات، وتقاعدهم بحجة انخفاض الرواتب، أو غيرها…

خدمنا، وعمالنا، ومن دخلوا بيوتنا، ولمسوا هشاشتنا وطيبتنا، وحسدونا على أموالنا التي لا نستحقها كما يرون، هم من صنعوا تلك الشائعات، وضحكوا سرًا على ارتجافاتنا وقلقنا.

ضحكوا بثقة.

بينما أنتم لا تثقون بأنفسكم، ولا بمدرائكم، ولا بمجتمعكم…

وأظل أتذكر:

ذلك المثل: “خادم القوم سيدهم”.

كاتبة رأي

‫2 تعليقات

  1. أشكرك أستاذة فاطمة على مناقشة هذا الموضوع المهم، وأتفق معك بأن المعرفة والعزيمة والمثابرة هي سر بناء الثقة وتحقيق الأهداف، وهو ما قد يغفل عنه شريحة من الشباب. وتذكرت وأنا أقرأ كلامك قول الشاعر العباسي أبي تمام: لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه / لن تبلغَ المجد حتى تلعَق الصَّبِرا. وقول الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي: ومن لا يحب صعود الجبال/يعش أبد الدهر بين الحفر. تقبلي خالص تحياتي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى