حين يصفقون لنصفك الظاهر

حين يصفقون لنصفك الظاهر
سيُعجب الناس بحكمتك، لكنهم لا يرون الصمت الطويل الذي نزفتَه في ليالٍ موحشة كي تتعلم كيف تُمسك لسانك عند الغضب، سيحبون نورك، لكنهم لا يتخيلون كم عاصفة من الظلام مرّت عليك حتى انبثق منك هذا الضوء، سيصفقون لقوتك، لكنهم لا يعلمون كم مرة انكسرت، وكم دمعة خبأتها كي لا يراها أحد، وسيدهشهم عطاؤك اللامحدود، غير مدركين أن الطاقة التي تفيض بها روحك ليست نهرًا مجانيًا، بل نهرًا يتغذى من جراحك وصبرك وتجاربك.
إن الناس ـ في الغالب ـ لا تقع أعينهم إلا على النسخة اللامعة منك، تلك النسخة التي تلهمهم وتسعدهم، وتُنسيهم أن وراءها إنسانًا يتألم ويتعب ويكافح، فهم لا يريدون أن يروك في ضعفك، ولا أن يكتشفوا لحظاتك المظلمة، بل يفضلون أن تبقى صورة مُلهِمة تُبهجهم وتدفعهم للأمام.
لكن الحقيقة الأعمق أن هذه الصورة ليست زائفة، بل هي الوجه الآخر للمعاناة، فالضعف الذي مررت به هو ما صاغ قوتك، والظلام الذي اكتنفتك أيامه هو ما أشعل نورك، والانكسار الذي جربته هو ما صنع منك ذلك الإلهام.
وهكذا، يظل الإنسان بين نسختين: نسخة تُبهج الآخرين وتُلهمهم، ونسخة مخفية لا يراها إلا هو وربه، وما بين النسختين يكمن سرّ الرحلة، وسحر الإنسانية، وجمال التناقض الذي يجعلنا بشرًا.
فلا تغترّ بمديح الناس، ولا تنكسر بجهلهم، فهُم لا يرون إلا نصفك الظاهر، أما نصفك الغائب فهو امتحانك الحق، وسرّك الأعظم، وحقيقتك التي إن سقطتَ فيها لم تُنقذك كل هتافاتهم، وإن صمدتَ فيها لن يستطيع العالم كلّه أن يهزمك!
د. دخيل الله عيضه الحارثي