أقلام ناشئة

حين يزدحم العقل تُولد البصيرة

حين يزدحم العقل تُولد البصيرة

وجدتُ نفسي عالقةً وسط زحام خانق، رغم أنّ المكان خالٍ من البشر، وكأنّي الوحيدة فيه. كان الوقت يمضي، والأيام تتساقط من يدي كالرمال، أما أنا فما زلتُ غارقة في هذا الازدحام. كنتُ أودُّ الهروب بأي طريقة، لكن كل ما أراه أمامي هو الزحام ذاته؛ أراه عبئًا يثقل أنفاسي، وعائقًا يكبّل خطواتي.

انتظرتُ أكثر من ثلاث ساعات أترقّب انفراجًا، حتى غيّرتُ وجهتي إلى طريقٍ آخر، رغم علمي أنّه سيستغرق ضعف ما قضيته من وقت. لكنني اكتشفت أنّ الزحام يطاردني في كل مكان. عندها أدركت أنّ الازدحام ليس حكرًا على الطرقات، بل يسكن داخلي أنا؛ أفكارٌ تتدافع، وهواجيسٌ تتزاحم، وضوضاءٌ تملأ عقلي بلا هوادة.

توقفتُ ساكنةً، خمس دقائق كاملة، لأرى إن كان بإمكاني إنقاذ نفسي. بدأتُ أرتّب فوضاي، أكتب كل ما يثقلني من أفكار وشتات، لأستطيع حل عقدة الزحام. كانت تلك أول خطوة حقيقية؛ تمسكتُ بهدفي وتحركتُ للأمام. لكن حين شارفتُ على النهاية، تعثرت في خطوة واحدة، فعُدتُ للخلف، إلى مرحلةٍ أصعب وأثقل من ذي قبل.

لم أعُد أملك القوة للخروج منها. شعرتُ وكأنني أدخل متاهة بلا أبواب، ولا طريق للنجاة. وكل ما حولي يهمس بأن سقوطي قد يكون في أي لحظة. تساءلت: هل سأعود إلى نقطة البداية؟ هل سأظل عالقة في زحامٍ آخر؟ هل هذه الأفكار مجرد كذبة صنعتها لأستمر؟ أم خوفٌ زرعته في نفسي لأبقى ساكنة؟

ما هو الاستمرار؟ وما هو السكون؟ وما معنى الالتزام؟ هذه الكلمات كنت أسمعها دائمًا بين حديث صديقاتي أو عبر السوشيال ميديا، لكن لم يخبرني أحدًا كيف أمتلكها حقًا. الكل ينصح بالانضباط، بالاستمرار، بالطموح، لكن الخطوة التالية تبقى مجهولة، غامضة. حينها أدركت أنني لست ملتزمة كما ينبغي، ولا أملك الانضباط الكافي. أثارني الأمر، وشعرت أن عليّ أن أكتسبه.

اكتشفت أن الانضباط لا يولد من فراغ، بل من الدافعية، وأن الاستمرار مرهون بقوة الدافعية. لكن ما هي الدافعية؟ وإلى أين تقودني؟ أدركت أن القراءة، والتعلم، وخوض التجارب هي ما تمنحني دوافع جديدة، تدفعني للتمسك بطموحي، والانضباط من أجله، والاستمرار لتحقيقه.

الانضباط، والاستمرار، والطموح ليست أشياء تأتي فجأة، بل تنمو مع مرور الوقت. لكن إن أردتِ تسريع خطواتك، فابدئي بالبحث عن نفسك أولًا. نفسك هي مفتاحك للنجاح، للراحة، للحب، وللحياة. نفسك هي المفتاح لكل الأبواب المغلقة، وكل ما تحتاجينه هو أن تعكسي الكاميرا، لا على الماضي والذكريات، بل عليكِ أنتِ.

فكل زحامٍ يحيط بك ما هو إلا إرشادٌ لوجهةٍ أفضل

بقلم✍🏻 : الاء محمد الحضريتي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى