كُتاب الرأي

حين يرتدي الذوق لباس الأخلاق

 

حين يرتدي الذوق لباس الأخلاق

الذوق هو عطر الأخلاق ولباسها، وهو نفحات من التربية ، وهو سلوك روحي نابع من النفس التي جُبلت على التهذيب.
حين تتألق الأخلاق في الإنسان وتتجلى في معاملاته، وتعاملاته ،وتظهر في أحاديثه، ورسائله،يبزغ نجم الذوق وتنطوي تحته لطائف القلب وصفاء الروح.
إنّ حرية التصرف متاحة للجميع، لكن حين يرتدي الذوق لباس الأخلاق تتحول كل المعتقدات إلى ما يشبه الالتزام.
ببساطة شديدة وبعيدًا، عن التعقيد اللفظي.
كلما كنت صاحب خلق انغمست أكثر في الذوق واللطف مع الآخرين، وشحنتهم بالإيجابية ودرّست فنون التعامل، فإن شاهدت أدبًا في الكلام،وتحضرًا في الألفاظ، وارتقاء في الطرح فاعلم أنه من قبيل الذوق، ولئن رأيت حياءً وخجلاً من إتيان المنبوذ فهذا من الذوق، أما إذا لمست احترامًا للقيم والآداب العامة في الشارع والجامع والكلية والمدرسة والجامعة بلا رقابة أو تفتيش أو وصاية فهذا من أدبيات وفروض الذوق.
هناك دلالات عديدة في الأقوال والأفعال والسلوك تصدر من الشخص بلا تقعر، أو تزلف، أو تصنّع، دلالات تلتف على المرء وكأنها لباس يرتديه، دلالات تشعر أنها عادة ملازمة له ولزمة سلوكية لا تنفك عنه ولا تنفصل مهما كانت المنغصات، ومهما كانت المشكلات أو الضغوطات.
تجده يسعى متحركًا بين الأنام مع الكبار في العمر أو الصغير الذي لا يدفع عن نفسه نافلة القول أو أصوله قويهم وضعيفهم، خادمهم وسيدهم، بنفس المعادلة والوزن والنسبة، أي أنك لا ترى اختلافًا ملحوظًا أو انتقادًا عليه، فيما يمارسه عن إرادة وطوعية مطلقة.
من يرتدي لباس الذوق حتمًا مرت عليه أكثر قواعد الجمال فصارت ممارسته لها من طبيعته، وانسلاخه عنها من المستحيلات، فهو بطبعه يُنزل الناسَ منازلهم فلا يؤذي شعورًا ولا يعاتب عيانًا، ولا يفشي سرًّا ولا يفضح أمرًا، يتحاشى أن يلامس جرحًا ، أو يكسر نفسًا، حتى الشكر والامتنان له ثوابته يقتفي أثرها ويسير عليها ولا يخرج عنها، والاستئذان في الوداع أو القدوم له قواعده وأصوله، له ذائقة عنده ، وله أساس وقياس.
كثيرة هي تلك الصفات التي يتمتع بها من تلقى تربية ، ونشأ في بيئة نقية خالية من الشوائب، بيئة تتسم بالوضوح، والنقاء، والصفاء، بيئة تشابه بيئات السلف الصالح، بيئات فيها صلاح واستقامة ، واعتدال ، ووسطية، قريبة من أحوال الناس وليست بعيدة ، طاهرة كطهارة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وصادقة كصدق أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
إنّ الإسلام قد وضع آداب في كل حركة من حركات الحياة ونمّى فيها خصلة الذوق واللطف والبشاشة لذلك لا ينبغي علينا التحدث عنه بوصفه إحساس جمالي ونكتفي! لا ! بل يجب علينا أن نتكلم عنه على أنه جانب هام في الحياة ونرسي لدى الآخرين فهمًا وإدراكًا،في طريقة أدائه ومعرفة خطوات نموه وتمكنه من جذور النفس.
ختامًا/
علينا أن نربي أبناءنا على قواعد الذوق، نجعله يخترق قلوبهم ، وأسماعهم، وحتى عيونهم فلا ينظرون إلا للجمال ، ولا يسمع منهم أو عنهم إلا الذوق والأخلاق.
إن الآباء والأمهات والمربون والمربيات يقع عليهم حمل ثقيل في تنشئة الأبناء على التهذيب في الأقوال والأفعال والممارسات،وتعميق القدرة على التمييز بين الجميل والقبيح وحثهم على التفاعل الدائم مع الجمال، فالتدريب الذي يلقاه الطفل منذ نشأته على الأناقة وحسن الترتيب والعناية بالمظهر،وصناعة هندسة جمالية في داخله يرى أثرها ويلمس جانبها سوف تصنع منه أنموذجًا مصغرًا للبستان ولكن في صورة إنسان.
انتهى

علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي.

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

‫3 تعليقات

  1. مااجمل الحياة لو صارت كلها بساتين وماأروعها حين نزرعها فنحصد الواناً تبهج النفس وروائح تشرح الصدر… تصويرك رااااااائع جمييييل للأخلاق حين يغلفها الأدب وتبنى وتنشأ على قواعد متينة تترجمها الأفعال،، موضوع جمع قيمة وزينها بأبهى الصور..
    أبدعت أستاذ علي👍

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى