حين تُصبح الطمأنينة إنجازاً
حين تُصبح الطمأنينة إنجازاً
في زمنٍ يتسابق فيه الناس نحو المجهول، صارت الطمأنينة ترفاً نادراً ، لا يملكها إلا من فهم الحياة على حقيقتها.
لم تعد السعادة كما نُصوّرها في صورٍ أو نقرأها في اقتباساتٍ منمقة، بل أصبحت لحظة صدقٍ قصيرة يعيشها الإنسان مع نفسه، قبل أن تبتلعه دوامة المقارنات، والسباق، والضجيج.
نحن جيلٌ يعرف كيف يصل، لكنه لا يعرف لماذا يسير.
نحمل هواتف ذكية، وعقولاً مشغولة، وقلوبًا لا تهدأ.
نركض خلف الإنجاز حتى في أبسط تفاصيلنا، حتى غدونا نبحث عن راحةٍ مؤقتة بين نجاحٍ وآخر، لا نهدأ إلا حين نتعب، ولا نتعب إلا لنثبت أننا أحياء.
تغيّرت معايير القيمة حتى صارت تُقاس بعدد المتابعين، لا بعدد اللحظات الصادقة التي نعيشها.
الطمأنينة ليست في الغنى ولا في القوة، بل في السلام الداخلي الذي يجعلنا نبتسم دون سبب، ونصمت دون حزن، ونؤمن أن ما مضى كان خيرًا، وما سيأتي خيرٌ كذلك.
هي حالة لا تُمنح، بل تُصنع حين يتوقف الإنسان عن مجادلة القدر، ويكتفي بأن يعيش يومه دون أن يبرر شيئًا لأحد.
كل ما حولنا يدفعنا للضجيج: الإعلام، السوشيال ميديا، العالم المتسارع الذي لا يعرف الصبر.
لكنّ النضج الحقيقي أن نُبطئ إيقاعنا وسط هذا الجنون، أن نتعلم الإصغاء لما في داخلنا، أن نفهم أنّ الصمت أحيانًا إجابة، وأن البساطة ليست ضعفاً بل وعيٌ بالجوهر.
من يصل إلى هذا المستوى من الفهم، يدرك أن الطمأنينة لا تأتي من الخارج، بل من ترتيب الداخل، من تصالح الإنسان مع ماضيه دون أن يندم، ومع حاضره دون أن يخاف، ومع مستقبله دون أن يبالغ في التوقع.
نحن لا نبحث عن المزيد من الأيام، بل عن يومٍ واحدٍ نعيشه بصدق.
لا نريد حياة طويلة، بل لحظة حقيقية لا نخاف فيها من شيء، ولا نحتاج فيها إلى أحد، ولا نُجامل فيها ذواتنا.
إنها الطمأنينة التي لا تُرى، لكنها تُحسّ في التفاصيل الصغيرة: في دعاءٍ يهدّئ القلب، في فجرٍ هادئ، في يقينٍ بأن الله يُدبّر كل شيءٍ بخيرٍ خفي.
ربما أعظم ما نصل إليه في هذه الحياة ليس الشهرة، ولا المال، ولا المديح… بل لحظة طمأنينةٍ حقيقية نصل فيها إلى أنفسنا بعد طول غياب.
حينها فقط ندرك أن الإنجاز لا يُقاس بما نُنجزه للعالم، بل بما نُصلحه في داخلنا.
فالهدوء انتصار، والصمت وعي، والسكينة تاج لا يراه إلا من عاش صخب الحياة وخرج منها بعقلٍ متزن وقلبٍ مطمئن.
وفي النهاية،
من وجد الطمأنينة فقد أنجز ما لم يستطع غيره أن يشتريه بكل ما يملك.
هي ذروة النضج الإنساني، وغاية الرحلة التي لا تنتهي: أن تكون بخيرٍ دون سبب، وأن تبتسم لأنك فهمت الحياة أخيراً كما هي.
🖋️ أ . تركي عبدالرحمن البلادي
كاتب صحفي | باحث تربوي




ماشاء الله تبارك الله مقال جميل
تسلم، رأيك الجميل شهادة أعتزّ فيها ✨
مبدع دائما استاذ تركي
شهادتك أعتزّ بها، شكراً لك 🙏