*حين تُحجب الإشارة.. تُحجب الفرص*
*حين تُحجب الإشارة.. تُحجب الفرص*
في زمن أصبح فيه الإنترنت جزءًا أساسيًا من تفاصيل حياتنا اليومية، لم يعد الاتصال بالعالم ترفًا كما كان في الماضي، بل صار ضرورة تمسّ كل إنسان. فمن خلاله نتعلم ونعمل ونتواصل ونقضي شؤوننا بسهولة ويسر. ومع ذلك، ما زال هناك من يعيش بعيدًا عن هذه الدائرة، في قرى ومناطق نائية لا يصلها إلا القليل من التقنية، وكأنها خارج خارطة الاتصال.
في المدن الكبرى، يمكن للطالب أن يتلقى دروسه بسهولة عبر الإنترنت، وأن يشارك في المنصات التعليمية دون عناء. بينما يضطر طالب آخر في قرية بعيدة إلى رفع هاتفه عاليًا بحثًا عن إشارة ضعيفة تتيح له الانضمام إلى الدرس، أو إرسال واجبه في وقت متأخر من الليل. الفارق بين الاثنين ليس في الجهد أو الذكاء، بل في الفرص المتاحة.
هذه هي الفجوة الرقمية التي بدأت تتسع بين المدن والمناطق النائية، مشكلةً حاجزًا غير مرئي يحرم البعض من التعليم والعمل والتطور. فالتقنية اليوم ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل جسر للعلم والمعرفة والرزق، ومن يُحرم منها يجد نفسه خارج الإيقاع السريع الذي يسير به العالم.
لقد أولت رؤية المملكة 2030 اهتمامًا كبيرًا بالتحول الرقمي، وجعلت التقنية أداة للتطوير والارتقاء، وحققت إنجازات كبيرة في هذا المجال. غير أن العدالة الرقمية تظل التحدي الأهم، فالتنمية لا تكتمل ما لم تصل خدمات التقنية إلى كل بيت وكل قرية، وما لم يشعر كل مواطن بأنه جزء من هذا التحول الكبير.
الفجوة الرقمية لا تُقاس بسرعة الإنترنت فقط، بل بمدى الوعي والقدرة على استخدام التقنية. فكم من شاب في المدن يبرع في العمل عن بُعد، بينما شاب آخر في منطقة نائية لا يملك الأدوات أو التدريب الذي يمكّنه من ذلك. ولهذا فإن تقليص الفجوة لا يعني فقط مدّ الكابلات، بل بناء ثقافة رقمية شاملة تُتيح للجميع التعلم والتطور والمشاركة.
إن العدالة الرقمية ليست شعارًا، بل واجب وطني، لأن تمكين الناس من الاتصال بالعالم يعني منحهم فرصة للحياة. فالشاب في قرية نائية قد يحمل فكرة قادرة على التغيير، لكنه يحتاج فقط إلى وسيلة توصله بالعالم.
حين تُحجب الإشارة، لا يُحجب الاتصال فقط، بل تُحجب الطموحات، وتُغلق أبواب المستقبل أمام عقول كان يمكن أن تُبدع لو أُتيح لها ما أُتيح لغيرها. ولهذا فإن مسؤوليتنا جميعًا — أفرادًا ومؤسسات — أن نعمل من أجل وطنٍ متصل، لا يُترك فيه أحد خلف أسوار العزلة الرقمية.
*بقلم /محمد عمر حسين المرحبي*
