كُتاب الرأي

حين تكون القصة أقوى من الكتابة

حين تكون القصة أقوى من الكتابة

تصبح القصة أقوى من كاتبها عندما تتجاوز تأثيرها ،وصدقها حدود ما يقصده ،حيث تكون ذات معنى أعمق ،وأكثر تأثيرًا على القارئ من مجرد سرد الأحداث أو الأفكار ، بعبارة أخرى عندما يترك العمل الأدبي بصمة قوية في نفس القارئ ،تتجاوز حدود الكلمات المكتوبة لتصل إلي مشاعر وتجارب شخصية.
في لحظة من لحظات الكتابة قد يفقد الكاتب زمام النص ،لأنه لا يعرف ما يريد، بل لأن القصة قررت أن تسبر في طريق آخر، طريق لم يرسم في خارطة الفكرة الأولى ،ولم يُخطط له في ذهن الكاتب ، لكنها تمضي بكل عنفوان ،وتجره معها حتى النهاية …..
الكتابة ليست دائمًا قرارًا واعيًا، وأحيانًا لا تكون حتى خيارًا. هناك نصوص تفرض نفسها على الكاتب، تأتيه من مكانٍ داخلي عميق، لا يعرف متى فُتح ولا لماذا. فجأة، يشعر أن الكلمات تتحرك من تلقاء نفسها، أن الفكرة تقفز من بين السطور، أن الشخصيات تتنفس وتتكلم وتقرر مصيرها بعيدًا عن إرادته.
في تلك اللحظات، لا يعود الكاتب كاتبًا، بل مستمعًا. يُصغي إلى القصة كما تُصغي النفس إلى وحيٍ داخلي. وربما كان هذا هو السر في النصوص التي تعيش طويلاً، وتترك أثرًا في قلوب القراء. إنها النصوص التي لم تُكتب بالعقل وحده، بل تشكّلت من شعورٍ صادق، واحتياجٍ روحي، وتلقٍ داخليّ عميق.
كثير من الأدباء الكبار اعترفوا بأن أفضل أعمالهم لم تكن نتيجة تخطيط دقيق، بل كانت أشبه بـ”وحي مؤقت”، انفتحت فيه نافذة داخلية لا تتكرر بسهولة. في تلك الأعمال، القصة هي التي كانت تكتب الكاتب لا العكس……
نحن لا نكتب لأننا نعرف، بل أحيانًا نكتب لنفهم، لنواجه، لتتعافى….
القصة  التي تولد من هذاالاضطراب الداخلي، من هذه الرحلة الصادقة، لا بد أن تكون أقوى من الكاتب نفسه …
وفي كل مرة تكون فيها القصة أقوى من الكاتب، يولد نص لا يُنسى، لأنه كُتب من أعماق لا تُرى، بل تُحس
وختامًا عندما  لا يقدم الكاتب كل شيء للقارئ ويترك له مساحة للتفكير والتأويل فان القصة تصبح أكثر قوة وتأثيرًا ،حيث يصبح القارئ جزء من عملية الإبداع .

                    أ/ أماني الزيدان

اماني سعد الزيدان

كاتبة رأي ورواية مسرحية ومشرفة على في ظلال المشهد المسرحي

‫3 تعليقات

  1. كاتبة ملهمة.. أبدعت في رسم مشاعر الكتابة بحبر من الصدق والعُمق.
    مقالك ليس مجرد كلمات تُقرأ، بل تجربة تُعاش وتُستشعر. حيث سلّطت الضوء على لحظة نادرة يعيشها الكاتب حين تتحوّل القصة من فكرة إلى كائن حي، يتحرك ويقود، ويأخذ بيد الكاتب نحو مجاهل لم يكن يعرفها.
    جميلٌ كيف وصفت الكتابة كحالة من الإصغاء الداخلي، وكأنها وحيٌ داخليّ يأتي دون استئذان، وكأن النص هو الذي يكتب الكاتب، لا العكس. هذه فلسفة لا يدركها إلا من خاض غمار الحروف بروح صادقة، وكتب من وجعه وتيهه وشفائه
    بورك قلمك استاذة أماني ..

    1. شكرا لكم دكتور عبد الرحمن
      نستلهم الهمم من كلماتكم الرائعة ، وإثراؤكم الجميل ،وتستنير برأيكم الفريد
      من كاتب مبدع مثلك، يكون الثناء مضاعف الأثر 🌹

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى