كُتاب الرأي

حين تبتسم الوجوه وتبكي القلوب

في عالم يتسارع فيه كل شيء، ويُثقل الأفراد بمتطلبات الحياة، قد يبدو الكثيرون مبتسمين وقادرين على التعامل مع تحدياتهم. لكن خلف هذه الوجوه الباسمة تختبئ أحيانًا آلام لا تُرى، وجروح لا تندمل. هذا هو الألم المخفي، ذلك الشعور الصامت الذي يختبئ في أعماق النفس لكنه يؤثر على كل جانب من جوانب الحياة.

الألم المخفي هو تلك المشاعر السلبية التي نحتفظ بها داخلنا دون أن نشاركها مع الآخرين. قد يكون نتيجة تجربة مؤلمة، خيبة أمل، أو خوف من عدم التقبل. يُظهر الأشخاص الذين يعانون من هذا الألم وجوهًا عادية، وأحيانًا سعيدة، بينما تحمل قلوبهم أثقالًا لا يعلمها أحد. لكن لماذا نخفي ألمنا؟ أحد الأسباب الرئيسية هو الخوف من الضعف، حيث يعتقد البعض أن التعبير عن الألم هو اعتراف بالهزيمة. كذلك، هناك من يخشى إزعاج الآخرين بمشكلاته، بينما في بعض الثقافات يُعتبر الحديث عن المشاعر السلبية أمرًا غير مقبول أو حتى عيبًا. غير أن كتمان الألم له آثار خطيرة على النفس والجسد. الاحتراق النفسي نتيجة هذا الكتمان يؤدي إلى زيادة الضغط والتوتر. كما تظهر الأمراض الجسدية، مثل الصداع واضطرابات الجهاز الهضمي، وحتى مشاكل في القلب. كذلك، قد ينتهي الأمر بالبعض إلى العزلة والانطواء بسبب شعورهم المستمر بالثقل العاطفي. لكن التحرر من الألم المخفي ممكن. التعبير عن المشاعر هو الخطوة الأولى، سواء من خلال الكتابة، الرسم، أو الحديث مع شخص موثوق. طلب المساعدة المهنية من معالج نفسي قد يكون خيارًا مهمًا للتعامل مع هذا النوع من الألم. كذلك، يمكن لممارسات التأمل والاسترخاء أن تهدئ العقل وتساعد على فهم المشاعر. بناء شبكة دعم من أصدقاء أو أفراد عائلة داعمين يخفف العبء ويمنح شعورًا بالأمان.

الألم المخفي اختبار صعب، لكنه ليس النهاية. الاعتراف به هو بداية الشفاء، وخطوة نحو استعادة التوازن النفسي والروحي. لا تخف من الحديث عن مشاعرك، فكل كلمة تُقال تُخفف من العبء الذي تحمله، وكل لحظة بوح قد تكون بداية لتغيير جذري في حياتك. تذكر أن الألم جزء طبيعي من الحياة، لكن الاستسلام له ليس خيارًا. كن صادقًا مع نفسك، ولا تتردد في البحث عن يد تمتد لمساعدتك. فكما تُضيء الشمس ظلمة الليل، يمكن لكلمات بسيطة أن تفتح أبواب الأمل من جديد، وتجعل من الألم درسًا يقودك إلى القوة والسلام الداخلي. أنت تستحق أن تعيش خفيفًا، حرًا، ومتصلًا بذاتك الحقيقية.

 

معلا السلمي

كاتب رأي

معلا علي السلمي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى