كُتاب الرأي

حفلات التخرج بين الفرح المشروع والمبالغة المؤرقة: ظاهرة تحتاج إلى وقفة

حفلات التخرج بين الفرح المشروع والمبالغة المؤرقة: ظاهرة تحتاج إلى وقفة
مع اقتراب نهاية كل عام دراسي، تتكرر مظاهر الفرح في منازلنا ومدارسنا، حيث تتجه كثير من الأسر إلى إقامة حفلات تخرج لأبنائها وبناتها، سواء في مراحل التعليم العام أو الجامعي، وفي الوقت الذي يفترض أن تكون هذه الحفلات لحظات رمزية لتقدير الجهد وتشجيع الطلاب والطالبات على مواصلة النجاح، إلا أنها تحولت عند كثيرين إلى مظاهر مبالغ فيها من الزينة والتحضير والهدايا والمأكولات، لا تخلو من التفاخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمجموعات الخاصة.
حفلات تخرج… أم مهرجانات تجارية؟
ما يؤسف له أن حفلات التخرج تجاوزت المراحل الجامعية إلى مراحل مبكرة لا تُعد إنجازاً أكاديمياً مؤهلاً للاحتفال الكبير، فأصبحنا نرى حفلات تخرج لطلاب الروضة، واحتفالات كبرى بانتقال الطالب من الابتدائية إلى المتوسطة، وكأنها نهاية مرحلة تعليمية كبرى، وهنا يطرح السؤال نفسه: ما الجدوى من إقامة حفل تخرج لطالب في مرحلة لم يخُض فيها بعد التحديات الحقيقية للتعليم؟ وهل أصبح الاحتفال هدفاً بحد ذاته، لا وسيلة لتحفيز الطالب ودعمه نفسياً؟
ما بين الفرح المحمود والتبذير المرفوض
التشجيع والتحفيز أمران محمودان، ولا غبار على أن تُظهر الأسر فرحها بإنجازات أبنائها، لكن من غير المقبول أن يتجاوز ذلك حدود المعقول، ليصل إلى الإسراف والبذخ المفرط الذي يشكل عبئاً على بعض الأسر، ويؤلم أخرى غير قادرة على مجاراة هذه الظواهر، فبينما يحتفل البعض في قاعات فارهة، بديكورات باهظة، وأزياء مصممة خصيصاً للمناسبة، هناك من يعجز عن إقامة حفل بسيط، بل ويشعر أبناؤه بالنقص أو الحرج أمام زملائهم.
الأثر النفسي والاجتماعي
تؤدي هذه المظاهر إلى خلق فجوة اجتماعية، يشعر معها بعض الطلاب والطالبات بأن إنجازهم لا قيمة له لعدم قدرتهم على إقامة حفل تخرج مشابه لما يشاهدونه، كما تعزز هذه المبالغة قيم التفاخر والتمييز الطبقي، في وقت ينبغي فيه أن تكون المدارس والبيوت بيئة متوازنة تزرع القيم الإيجابية في نفوس النشء.
ما الحل؟ دعوة للعودة إلى الأصل
  • التوجيه الأسري والمدرسي: على الأسر والمعلمين العمل معاً على إعادة الأمور إلى نصابها، عبر تنظيم احتفالات رمزية متواضعة تعكس الفرح الحقيقي بلا إسراف أو مظاهر جوفاء.
  • ضبط سلوك المدارس: ينبغي على إدارات المدارس أن تضبط حجم احتفالات التخرج، وتمنع المبالغة في تزيين الفصول وردهات المدارس، وأن تركز على المحتوى التربوي والقيمي للاحتفالات.
  • دور وسائل الإعلام: من المهم أن تسلط الضوء على نماذج من الاحتفالات البسيطة الناجحة التي تحقق الهدف دون تكلف، حتى لا تكون السوشيال ميديا ساحة للتقليد الأعمى فقط.
  • وعي المجتمع: من الضروري تعزيز ثقافة الاعتدال، وتوضيح أن النجاح لا يُقاس بحجم الحفل، بل بجوهر الإنجاز والمثابرة التي أدت إليه.
ختاماً
ليس لأحد أن يمنع أسرة من التعبير عن فرحتها بنجاح أبنائها، لكن هذه الفرحة ينبغي أن تكون في حدود المعقول، تحترم واقع الآخرين، وتُبنى على قيم الشكر والامتنان لا على مظاهر التفاخر والتمييز، فالتربية على الاعتدال في الفرح لا تقل أهمية عن التربية على الاجتهاد في الدراسة، وكلاهما يصنع إنساناً متزناً قادراً على مواجهة الحياة بتعقّل ووعي.
 

مبارك بن عوض الدوسري

@mawdd3

مبارك عوض الدوسري

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
الذهاب إلى الواتساب
1
م حبا أنا سكرتير رئيس التحرير
مرحبًا أنا سكرتير رئيس التحرير وأنا هنا لمساعدتك.