عام من الإبادة

د. شادي الكفارنة
منذ السابع من أكتوبر الماضي لعام 2023 ونحن في حرب الإبادة الجماعية ، وقد دخلنا في عامنا الثاني والقهر يأكل قلوبنا ، والقتل يفتك أجسادنا ويُقطع رؤوسنا ويكسر عظامنا ، ويحرق جلودنا ويحبط نفسياتنا، فاستسلمنا للموت طوعًا ؛ لأنه أصبح جزءًا من لحظات حياتنا التي نعيشها، ويشاطرنا في كل أوقاتنا، ويلاحقنا دون كلل وملل سواء كنا نائمين في الخيام، أو يقظين على الرمال ففي الحالتين نموت ، ويأخذ الموت أشكالًا مختلفة ، فالموت يكون أيضاً عندما ينزح الناس وهنًا على وهن في الأماكن التي يزعم القاتلون بأنها المناطق الآمنة وهي الأشد خطورة وفتكًا، تمزقت فيها أجسادنا وتبعثرت أشلاؤنا المطوية تحت الرمال .
إنه الحزن الذي لا يفارق أهله ومربع السواد الذي لم يخرج منه هذا الشعب ، فالعالم يحتفل بأعوام جديدة مليئة بالاستقرار والرفاهية والسلام والإنجازات، ونحن نبدأ عامًا جديدًا نُقتل فيه بشكل جماعي بلا رحمة، ويُدمر فيه مستقبلنا وتُنسى فيه أحلامنا ، وأمل عودتنا إلى ديارنا بدلًا من خيامنا التي لم تسلم من القصف ، واهترأت من حرارة الصيف وبرد الشتاء ، ودُفن أصحابها تحت الأرض ، ولا يزالون قتلى منسيين إلى يوم البعث ،وفي كل لحظة نكون على أمل لتوقيف الحرب لكن تأتينا انتكاسات وخيبات الأمل في مجازر جديدة ، تُرجعنا إلى عقود من الزمان في بنيتنا التحتية المدنية جراء العدوان على غزة الذي ينخفض كل لحظة في مستويات الصحة والتعليم والثروة في القطاع إلى الثمانينات بمستويات التنمية؛ وكلما استمرت الحرب زادت مدة الرجوع إلى الوراء ، ونحتاج إلى عقود أخرى قادمة مستقبليّة إذا حاولنا إعادة بناء بيوتنا وكل ممتلكاتنا التي دمرها الحرب، هذا في السيناريو الأكثر تفاؤلاً؛ ولكن للأسف إذا تم إعمار للماديات اللوجستية من سيعالج معنويات إنسانيتنا المجروحة ونفسياتنا المضطربة من كارثة الإبادة وهول فقد الأحبة، قد نعيد العمار لكن من سيعمر المصاب باليتم والترمل ، من يعيد القلوب التي خربت ، من سيعيد بناء إنسانيتنا وكرامتنا ، قد تكون هذه الكلمات من وحي الإحباط الذي أصابنا، وخوف الموت الذي يحيط بنا ، لكن لا يستطيع أي شخص منا ينكر أنه واقع كارثي نهلك فيه كل لحظة ونموت فيه دون رحمة ، وإنها الإبادة بكل أشكالها.
كاتب فلسطيني