حسين أبو داود رمز وطني وعلامة فارقة

مشعل الحارثي
حسين أبو داود رمز وطني وعلامة فارقة
رجال قليلون ممن تبقى لهم في النفس بصمات واثار يصعب نسيانها أو تلاشيها من الذاكرة ويبقون علامة فارقة لا علامة فارغة في حياتنا بما ملكوا به أفئدة الآخرين من مواقف مشرفة ،وخصال حميدة، وأخلاق كريمة ،وقيم نبيلة ،كانت وليدة للتربية الحسنة والتنشئة السوية، التي نشؤا عليها فشبوا وترعرعوا على معاني الرجولة الحقة ،وحب الفضيلة، والتفاني في خدمة الوطن ،وكل ما يعزز من مكانته ويرفع من شأنه ويجعله دوماً في الصدارة.
ومن هؤلاء الرجال الصديق العزيز المهندس حسين حسن علي سليمان داود علي أبوداود رجل الأعمال المعروف وسليل عائلة أبو داود العريقة التي سكنت مكة المكرمة وعملت في البدء بسقيا الحجيج بماء زمزم ثم انتقلت إلى جدة قبل أكثر من (170) عاماً وصادقت بحرها بعد احترافها العمل في المعادي أو ما يعرف قديماً بالسنابيك التي تعمل لنقل البضائع والركاب من السفن او إليها والتي كانت ترسو في عرض البحر بعيداً عن الشواطئ لوجود الشعب المرجانية وغياب وجود الموانئ الحديثة والأرصفة البحرية آنذاك ، ثم واصلوا عشقهم لهذه المهنة حتى أصبحوا من شيوخها وكبار سادتها أمثال الشيخ سليمان أبوداود، والشيخ أحمد سليمان أبوداود، ولتصبح هذه العائلة فيما بعد من أعرق عوائل جدة المشهورة ومن كبار رجال الصناعة وبيوتات التجارة في المملكة .
أقول هذا وامضي في كتابة هذه السطور وأنا على يقين تام بأنه وعائلته المبجلة في غنى عن اطرائي لمعرفتي الشخصية بأن المهندس حسين أحد الذين لا يحبذون ذلك ولكن واجب الوفاء والجهر بكلمة الحق للأحباء والمخلصين والعاملين بكل جد ودأب قادني لان أسطر هذه الكلمات القليلة في حقه وحق عائلته وبقدر العطاء اللامحدود الذي قدمه واسرته العريقة للمساهمة الفاعلة في بناء وتنمية المجتمع .
ومنذ بداية معرفتي لأبي عمرو عرفت فيه الرجل الوطني الحريص كل الحرص على الوطن وأبناء الجيل، وفي هذا الصدد لا انسى مبادرته عندما كنت أعمل بتعليم منطقة مكة المكرمة وابلغني برغبته في تسجيل ابنته بإحدى المدارس العالمية بجدة واجبته ساعتها بأن هذه المدارس وحسب تنظيم وزارة المعارف آنذاك مقصورة فقط على أبناء الجاليات الاجنبية وكل مدرسة حسب هوية ومسمى بلادها ، ثم سألني عن الحلول لتجاوز هذا المنع لأنه قادر على أن يعلم ابنته في ارقى المدارس العالمية بالخارج ولكنه حريص أن تحصل ابنته وكذلك الاخريات من بنات رجال الأعمال على هذا التعليم طالما هو متوفر في البلاد ولكي يظل الأبناء تحت انظار والديهم واجبته بأن هذا الأمر ربما يتم حله باستثناء خاص من معالي وزير المعارف ،فذهب في اليوم التالي للرياض إلا أنه لم يصل إلى نتيجة مرضية ، ومع ذلك لم يتوقف عن مواصلة جهوده في هذا المطلب فتوجه مع مجموعة من رجال الأعمال والتقوا خادم الحرمين الشريفين انذاك الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله وعرضوا عليه هذه المعاناة ورغبتهم في مواصلة أبنائهم دراستهم بالداخل بدلا من الخارج ، وماهي الا أسابيع قليلة حتى صدر أمره رحمه الله لوزارة المعارف بقبول أبناء وبنات الوطن بالمدارس العالمية اسوة بالمدارس الأهلية ووفق ضوابط وشروط معينة .
ومنذ ذلك التاريخ وعلاقتي بهذا الرجل تزداد رسوخاً يوماً بعد اخر وبعد أن عرفت فيه الرجل الكبير في صدقه ووضوحه وتعامله وانسانيته ووده لكل من صادقه، وقلبه الذي يشع بالأمل المتدفق بالعطاء وعفة النفس ، وأنه رجل صادق النية صافي الطوية، متسامحاً لا يعرف الكراهية ولا يحمل بغضاً لأحد.
وعرفت فيه ايضا ذلك الرجل العملي المدرك للقيمة الحقيقية للوقت فلا يهدر وقته فيما لا طائل منه ولا تراه الا قابعاً في مكتبه يدير أعماله بشغف وفي صمت وهدوء حتى لا يكاد أحد يشعر أنه يعمل.
ومع كل اعبائه ومسؤولياته إلا أنها لم تسرقه من الالمام بالثقافة والقضايا الاجتماعية والاقتصادية وقضايا الشأن العام وهو ما دفعه للكتابة في عدد من الصحف والمجلات المحلية كجريدة الاقتصادية والمدينة وعكاظ والبلاد لإيضاح وجهات نظره ورؤيته حول بعض هذه القضايا والمستجدات المجتمعية ، إلى جانب حضوره ومشاركاته الفاعلة في الندوات والاحتفالات الاقتصادية والتجارية أو التي تهتم بنقاش المستقبل ومعالجة المعوقات وتطوير الوطن وأبناء الوطن.
وتقول سيرة المهندس حسين أبو داود أنه من مواليد حارة اليمن بجدة وتلقى التعليم العام في عدة أماكن بدء من المدينة المنورة ثم القاهرة ثم جدة التي حصل منها على شهادة الثانوية من مدرسة الثغر النموذجية، ليتم بعد ذلك ابتعاثه لجامعة تكساس أوستن من قبل الدولة لدراسة الهندسة الكيميائية ،وبعد تخرجه عمل لمدة عام في أمريكا مع شركة كلوركس للتدريب على الإنتاج والإدارة والبيع متجولاً بين مصانعها في الولايات المتحدة. وبناما. ثم التحق بشركة محمد علي أبو داود وإخوته وهي شركة توزيع التايد والكلوركس والكويكر أوتس، ثم تفرغ للعمل في تأسيس وبناء المصنع الجديد كرئيس لشركات محمد علي أبو داود وشركاه للصناعة بعد ان منحه اعمامه محمد وإسماعيل رئيس الغرفة التجارية الصناعية بجدة الأسبق نسبة من راس المال فقام بتطور المصنع القائم آنذاك بجدة وعمل على توسعته ثم قام ببناء مصنع اخر في الدمام للتصدير لدول الخليج، ثم نقل المصنع بجدة إلى المنطقة الصناعية الجديدة، وإنشاء شركة أبو داود الصناعية بينبع.
ولاأنسى غضبة المهندس حسين التي غضبها عندما وقعت كارثة سيول جدة وسل بعض الكتاب وأصحاب الأقلام سيوفهم الظالمة ووجهوا اتهاماتهم الباطلة لما حصل لأهالي جدة وتجارها فانبرى بالكتابة رداً على بعض هذه المقالات أوضح فيها بعض الحقائق الثابتة عن حب ووفاء بيوتات جدة لمدينتهم ومطالباً إياهم بعدم اثارة الفتنة واصابة الأبرياء بجهالة والتركيز على محاربة الفساد ، مما استثارت تلك المقالة حفيظة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين امير منطقة مكة المكرمة شفاه الله وعافاه عندما انطلق هو الآخر يدافع عن أهالي جدة وعوائلها العريقة وقال في حقهم تلك الكلمات التي سطرت بمداد من ذهب .
تحية تقدير من الأعماق للمهندس حسين أبو داود المحب لوطنه وقيادته الحكيمة، الحريص على تماسك اسرته ، العاشق لجدة القديمة بمبانيها ورواشينها وأزقتها وأهلها وبيوتاتها القديمة التي كانت نواة لأغلب الآسرالجداوية والتي كثيراً ماكان يطالب بأن لاتنفصل جدة القديمة عن جدة الحديثة حتى لاتندثر وتتلاشى تلك المعاني والصور الجميلة لمجتمعها الخير المتسامح المعطاء وتحملها الأجيال الجديدة معها بكل حب وأمانة واعتزاز.
كاتب رأي وإعلامي