كُتاب الرأي

حرب الأيام الاثني عشر

حرب الأيام الاثني عشر

اندلعت الحرب بين إسرائيل وإيران في لحظة كان يظن فيها الكثير أن التصعيد سيبقى في إطار التصريحات والضربات المحدودة، لكنها تحولت إلى مواجهة عسكرية شاملة استمرت اثني عشر يوماً، وتركت وراءها مشهداً إقليمياً معقداً وجروحا مفتوحة في عمق الطرفين. الحرب دارت بأعنف صورها، استُخدمت فيها القوة الصاروخية والتقنيات السيبرانية والهجمات الجوية المكثفة، لكن رغم عنف الضربات وسرعتها لم يتمكن أي طرف من تحقيق انتصار حاسم.

المعركة تجاوزت كونها مجرد تبادل نيران، فقد سعت إسرائيل إلى استهداف قلب البرنامج النووي الإيراني وضرب قدراته بشكل مباشر، في محاولة لتعطيله أو القضاء عليه، بينما حاولت إيران نقل المواجهة إلى داخل المدن الإسرائيلية لتكسر حاجز التفوق الإسرائيلي، وتنقل صورة أن العمق الإسرائيلي لم يعد آمناً.

المنشآت النووية الإيرانية تعرضت لضربات أثرت بشكل كبير على بنيتها التشغيلية، مما يطرح تساؤلات جدية حول قدرة إيران على مواصلة برنامجها بالمستوى السابق. بعض التقديرات تشير إلى أن الحرب قد تكون أبطأت أو حتى جمدت تقدم المشروع النووي لفترة غير قصيرة دون إعلان رسمي، لكن الواضح أن الطريق أمام إيران نحو استكمال مشروعها أصبح محفوفاً بتحديات فنية وأمنية وسياسية.

في وسط هذا التصعيد الذي هز المنطقة، برزت المملكة العربية السعودية بثباتها وهدوئها، حيث اختارت موقع الحكمة فلم تنجرف وراء المواقف المتطرفة، ولم تسمح بأن تكون جزءا من ساحة الصراع المباشر. المملكة أدارت الأزمة بعقلانية عميقة، اتجهت نحو تعزيز استقرارها الداخلي وحماية أمنها القومي، وتركيز جهودها على منع انفجار إقليمي واسع قد يضر بأمن الخليج وأسواق الطاقة العالمية.

السعودية قدمت درساً في القيادة المتزنة في وقت اختلطت فيه أوراق القوة والمغامرة، ومع نهاية الحرب لم يظهر طرف منتصر بوضوح، بل ظهر أن الجميع خرجوا منهكين ومترددين في تقييم نتائجهم، حتى تلك المشاريع الكبرى مثل البرنامج النووي الإيراني باتت محل مراجعة قسرية بعد هذه المواجهة العنيفة. المنطقة لم تعد كما كانت، والخريطة السياسية والأمنية باتت تنتظر ترتيبا جديداً يراعي ما خلفته حرب الأيام الاثني عشر من كسر في الموازين وضبابية في المستقبل.

أ/ تركي عبدالرحمن البلادي

تركي عبدالرحمن البلادي

كاتب رأي وباحث تربوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى