حتى لا نتعرض لحروق الدرجة الرابعة

كلنا يألف المؤانسة، ويفرح بها ،لكن قد يتعرض المرء إلى تغيرات شديدة في علاقته بالآخرين ، تجبره إلى أن يبدأ بمعالجة ما تم تدميره في كل مرة يتعرض فيها لموقف يحد من إنجازه أو يقف حائلاً، بينه وبين إثبات وجوده ويعود إلى السعي من جديد للإجتهاد رغبة في إثبات الذات حتى ينهض ، هذا النهوض والسعي لإثبات الوجود قد يعرضه للكراهية دون سبب ، ما يؤثر عليه وعلى مستقبله بصورة غير ملائمة تلازمه في كل حزة ينجح فيها أو ينجز عملاً عالي القيمة ، بالتالي هذا سوف يخلق له المزيد من المناهضين يقفون في وجه استقراره ويحولون بينه وبين مؤانستهم له ما يفرض عليه المزيد من الضغوطات فيشعر معها بالغربة بينهم. هكذا بلا مقدمات ومن غير سبب واضح يخولهم بالاتكاء عليه والاستناد إليه.
اعلم وفقك الله أن صور وأشكال المخاطر الاجتماعية والوظيفية التي تحدق وتتربص بالإنسان على وجه العموم والناجح على شكل خاص كثيرة ومتعددة ، منها الظاهر ومنها الخفي وأن الأخطار جمّة وكثيفة ولا سيما تلك التي يمر بها الفرد في حياته كلما تحقق له هدف ، بل أن تلك المهلكات قد لا تتوقف في ضررها عليه وحده؛ بل يمكنها أن تمتد لتصيب وتدمر مجتمعات بأكملها، وتتفكك مواثيق العلاقات بسبب ظواهر غير محمودة نلمسها ونشعر بوجودها تتمثل في : الكراهية والبغض وإساءة الفهم، والوجوم عند اللقاء، والصمت المطبق الذي ينزل بمجموعة ما أثناء الحديث في أمر من الأمور أو إرسال النظرات والتغامز أو تغيير وتبديل الموضوعات أثناء المناقشة،والتلميح بالمغادرة ،والتنهد كعلامة من علامات فروغ الصبر ، والنظر للساعة،والالهاء الذاتي كاللعب بالجوال أثناء الحديث،وإنكار التضحيات كل تلك السلوكيات تعبر عن حالة عدم الارتياح ، وتعد حرقًا للمعنويات وتقييدًا للشعور، وتنزع من النفس طاقتها، وتحولها إلى أكوام.
إنّ الغضب المكبوت يمكن له أن يشعل حرب مستعرة ، لا تنطفئ ولا تخمد ثورتها ويمكن أن نسلط الضوء هاته الكرّة على دوافع الكراهية ومعالم الانتقاص ومؤشرات الإقصاء التي يمكن أن تسبب التهابات وتسلخات اجتماعية ووظيفية ونفسية من الدرجة الرابعة وهي أقصى ما يمكن أن تصل له درجة الحروق إذا ما تعرض الفرد إلى لسعة النار بمفهومها المحسوس.
دعونا نتحدث بوضوح أكثر، فالقارئ يهمه أن يفهم تلك الدوافع السيئة التي تنشأ وتترعرع في بيئات ذات ثقافة هشة ، ثقافة قائمة على الانتقاص، تناصب العداء للتسامح ، وتقف في وجه النجاح ثم تعسف فرحة الإنجاز فلا تترك مجالاً للمتعة ، ولا مساحة للرضى ، بل وتحرض على الاستماتة لإحداث الثقوب النفسية وتفتيت الجانب المعنوي بأي وسيلة كانت.
لم كل هذا؟
وما المصلحة من هذا الأمر؟
من المعتقد أن الأشخاص الذين فيهم غلظة وقسوة لا يدركون أنهم كذلك وقد ينتهكون الأعراف ويحاولون دائبين إلحاق الضرر بالآخرين على أي طريقة وُجِدَت وبأي وسيلة توفرت، همهم الأول تعميق الجراح لكي يشعروا بالراحة بينما يجعلون الآخرين يعيشون في قلق مستمر بعيدًا عن كل ما يفعلونه بهم.
الخاتمة:
إنّ ما يجب معرفته بالضرورة القصوى أن يكون لدينا مخطط علاقي، وأقصد بهذا المخطط صياغة نموذج علاقة جيد قائم على أساس كيفية التفتيش عن الأشخاص الملائمين لاحتياجاتنا وتوقعاتنا والنفور ممن يشذون عنا ونشعر معهم بعدم الأمان.
أخيرًا/ إذا بقيت معارك التنافس المذموم تطحن النفوس والصراعات تحرق القلوب والنزالات تكسر الخواطر والفتن تشتد وتستعر . علينا وقتها التحرر سريعًا من تلك البيئات السيئة والتخلص من هذا الحمل الثقيل والخروج منها لبيئات أكثر أمنًا وأقل قلقًا، نعم ما المانع من ذلك؟ مادامت الحاجة قائمة إلى أن ينأى الإنسان بأكتافه عن تحمل الإرهاق،قطعًا له الحق في أن يشتري طمأنينة النفس وصفاء الذهن أفضل له من يتعرض إلى المزيد من الحروق المشوِّهة لجماله الداخلي، أما إذا صعب الخروج من البيئات المضطربة تربويًّا،وثقافيًا، واجتماعيًّا، واستحال على الفرد إصلاح الأخطاء ، وشق عليه الأمر فإن علماء النفس ينصحون بتبني المنظور العاطفي، المنظور الذي يتطلب التنبؤ بكيفية الاستجابة العاطفية للمواقف والتكيف معها هذا سوف يساعد على ألا نرى الفجوة تتسع بين ما نشعر به وبين ما يدور في خلد المحيطين.
آخرًا/ لو وجدت أشخاص يدفعونك بعيدًا، ويحاولون جاهدين استفزاز هدوءك، وثقافتك، وتربيتك، وتلك القيم النفعية والاجتماعية التي تستهويك، فكن أكثر وعيًا بالحدود ومعرفة المساحات الشخصية واستعمل قاعدة الكاتب بريغمان : الاستماع هو مفتاح لحل الكثير من المشكلات مع التدرب على ممارسة الابتسام.
انتهى
علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي
موضوع جداً جمييييييل
سرد أكثر من رائع
ومن منا لم يتعرض لها او يسلم منها
وخير ماقلت البعد بالنفس عن تلك المواطن لراحتها ونيل السلام الداخلي
مبدع كعادتك
انتقائي
متفرد ومنفرد في الأسلوب والوصف👌
غزير متمكن من كل كلمة تكتبها
بارك الله فكرك ولاحُرمنا كتاباتك الغنية الثقيله وزناً وقيمة👌
المقال رائع👍
وخاتمته أروع👍
في الدول المتقدمة يقفون جنبا إلى جنب مع الناجح حتى يزداد تفوقا ..
وفي المجتمعات الأقل تقدما يقفون ضد الناجح ويعرقلون نجاحه إلى أن يفشل للأسف💔
المقال يعبر بوضوح عن أهمية البحث عن بيئات أكثر أمانًا وأقل قلقا، ويؤكد على حق الإنسان في تحسين جودة حياته والابتعاد عن الضغوطات غير الضرورية. يعد هذا الطرح تعبيرا صادقًا عن حق الإنسان في السعي نحو الطمأنينة والراحة النفسية كوسيلة لتحسين نوعية حياته والابتعاد عن أعباء غير مبررة.
لاقض فوك👍👍