*جيل النهضة وصناعة المستقبل*

*جيل النهضة وصناعة المستقبل*
في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتنافس فيه الأمم على الريادة، يبقى للشباب العربي الدور الأبرز والمسؤولية الأعظم. فهم قلب الأمة النابض وعقلها المفكر وذراعها القوي، وهم الوقود الحقيقي لكل نهضة أو إصلاح. وإذا كان التاريخ قد شهد أن أعظم الحضارات قامت على أكتاف شباب مؤمن بقدراته، فإن حاضرنا اليوم ينتظر منكم أنتم أن تكتبوا فصلاً جديدًا يليق بكم وبأوطانكم.
أيها الشباب، أنتم الأمل الذي تُعقد عليه طموحات الأمم، وأنتم الطاقة التي لا تنضب، والروح التي تبعث في الأوطان حياة جديدة كلما اعتراها الوهن أو أصابها الضعف. إن المرحلة التي تعيشونها اليوم هي مرحلة فاصلة بين التشتت والنجاح، بين أن تكونوا أداة بناء وصناعة مستقبل مشرق، أو أن تضيعوا أعماركم في سلوكيات خاطئة لا تجلب سوى الحسرة والندم.
لقد خُلق الإنسان لغاية عظيمة، وهي أن يعمر الأرض بالخير والعمل النافع، وأن يجعل من وقته زادًا لآخرته ودنياه. ولكن الواقع يشهد أن كثيرًا من الشباب يبددون أجمل سنوات أعمارهم فيما لا ينفع، في سهرٍ على ما لا جدوى منه، أو انشغالٍ بمواقع وتطبيقات تُضعف العزيمة وتستنزف الوقت. والوقت – وهو أثمن ما يملك المرء – إن ضاع فلا عوض له. فما قيمة الإنسان إذا لم يعرف كيف يوجّه ساعات يومه نحو التعلم، والإبداع، وخدمة نفسه ومجتمعه؟
إن السلوكيات الخاطئة التي يقع فيها بعض الشباب، مثل اللهو المفرط، أو الانجراف وراء العادات الدخيلة، أو التهاون في المسؤوليات، ليست مجرد أخطاء عابرة، بل هي عوائق تبطئ مسيرة الفرد وتُضعف المجتمع بأسره. والأوطان لا تنهض إلا بسواعد شبابها، فإن حملوا همّها ونهضوا برسالتها، تقدمت وازدهرت، وإن استسلموا للتراخي والتقليد الأعمى، ضاعت الطاقات وانطفأت الآمال.
أيها الشباب، أنتم اليوم أمام فرصة عظيمة لصياغة غدٍ أفضل. العلم في متناول أيديكم، والفرص متاحة أكثر من أي وقت مضى، والعالم ينظر إلى منطقتنا العربية بعين الترقب لما يمكن أن تقدموا من إنجازات. فكونوا أنتم الرواد الذين يسجلون أسماءهم في صفحات التاريخ، لا التابعين الذين يتوارون في الظل.
ولنا في تجارب كثير من الشباب العربي الناجح ما يثبت أن الطريق مفتوح أمام من يمتلك الطموح والعزيمة. هناك من بدأ بفكرة صغيرة فتحولت إلى مشروع يغير حياة الناس، وهناك من سهر الليالي على بحث علمي حتى خرج بابتكار يخدم وطنه، وهناك من قدّم مبادرات تطوعية واجتماعية صارت نماذج تحتذى في خدمة المجتمع. هذه النماذج الحيّة تؤكد أن النجاح ليس حكرًا على أحد، بل هو ثمرة عمل وصبر وإصرار.
استثمروا أوقاتكم في القراءة، والبحث، والتطوير الذاتي. مارسوا الرياضة التي تعين الجسد وتصفّي الذهن، واجعلوا من مهاراتكم أدوات تبني لا تهدم. لا تنظروا إلى الإنجازات العظيمة على أنها بعيدة المنال، فكل مشروع ضخم بدأ بفكرة صغيرة آمن صاحبها بها وسعى في سبيلها.
وتذكروا أن الوطن لا يقوم إلا على أكتاف المخلصين. فكما أن لكم حقوقًا فيه، فإن عليكم واجبات تجاهه، تبدأ من التمسك بالقيم الأصيلة، وتنتهي بالسعي الدائم لرفعته في ميادين العلم والاقتصاد والثقافة. وكل إنجاز تحققونه لأنفسكم هو في الحقيقة رصيد مضاف لرصيد أوطانكم، فالمجتمع لا ينهض إلا بأبنائه.
لا تجعلوا من لحظاتكم تضيع في جدال عقيم أو لهو يذهب أدراج الرياح، بل ابنوا بها سُلّمًا يرتقي بكم إلى حيث تصبون. اصنعوا من التحديات فرصًا، ومن العثرات دروسًا، ومن الفشل بداية جديدة لا نهاية لطموح. فالحياة لا تنتظر المتقاعسين، وإنما تفتح ذراعيها لأصحاب العزائم الذين يملكون الجرأة على التغيير والإرادة على العمل.
كونوا أنتم الصورة التي يفخر بها أهلكم وأمتكم، وارسموا في عيون الناس مثالًا للشباب العربي الواعي الطموح، الذي يرفض أن يكون نسخة باهتة مما يراه في مجتمعات أخرى، ويصرّ على أن يبني ذاته بما يتناسب مع قيمه وأصالته. واعلموا أن كل ساعة تُستثمر في الخير هي لبنة في صرح شخصياتكم، وكل فكرة خلاقة تُولد من عقولكم هي شعاع يضيء درب وطنكم.
المستقبل لكم، فاحملوا مسؤوليتكم بوعي، ولا ترضوا أن يقال عنكم يومًا إنكم كنتم جيلًا أضاع فرصته. بل ليكن التاريخ شاهدًا أنكم كنتم جيلًا كتب فجر النهضة الجديدة للأمة، وأثبت أن الشباب العربي حين يعزم لا يعرف المستحيل.
*بقلم/محمد عمر حسين المرحبي*