جودة كتاباتنا في غياب حرية التعبير
محمد الفريدي
يقول أديبنا الكبير توفيق الحكيم، رحمه الله:
_ (الحرية الحقيقية هي أن تُعلّم الإنسان كيف يستخدم حريته، لا أن تُعطيه الحرية فحسب) .
_ (الكلمة هي روح الكاتب، فإذا قُيدت روحه، فقد حُرم من جوهر وجوده).
ويعبر الكاتب العظيم يوسف إدريس رحمه الله عن رأيه بالقول:
_ (الكاتب الحر هو ضمير الأمة، لا يسكت عن الحق مهما كانت التبعات).
_ (الكلمة أمانة، وحرية الكاتب تكمن في قدرته على حمل هذه الأمانة دون خوف أو تردد).
أما كاتبنا الجميل / محمود السعدني، رحمه الله فقد قال:
_ (الكاتب الذي يخاف من الكلمة كالجندي الذي يخاف من الحرب، لا يصلح لا للكتابة، ولا للحياة).
_ (حرية الكلمة لا تُمنح، بل تُنتزع انتزاعاً، وهي حق الكاتب في أن يقول ما يراه دون أن يُملي عليه أحد).
واخيرا، أديب السعودية الكبير غازي القصيبي رحمه الله يقول:
_ (الكاتب الحر هو الذي يكتب بشجاعة، ولا يخشى في الحق لومة لائم).
_ (الكلمة الحرة هي شعلة الأمل، التي تضيء الطريق في ظلمات الاستبداد).
أما أنا فأقول:إن حرية الكاتب ليست مجرد حق له وحده، بل هي واجب يتحمله تجاه نفسه، وتجاه قرّائه، وتجاه ما يؤمن به، وتجاه وطنه، ومن شرف الكاتب ونزاهته ألا يكتب شيئًا، وهو مضطر لقوله اضطرارا، أو لا يستطيع أن يعبر عن غيره بصدق، و أن يكون متأكدا أنه لو قال عكسه لن يُلاحق او يُعاني من الكراهية، وما يترتب عليها، فالحرية شرف الكاتب وشرف الكتابة.
اقسم بالله العظيم ثلاثا انني أشعر بالاختناق عندما أحس بأنني سأبدأ بالكتابة تحت ضغط الرقيب، ولا أستطيع مواصلة الكتابة، لهذا ما لا أستطيع كتابته بحرية، لا أكتبه على الإطلاق.
الحرية عندي هي أن تتجاوز الحدود المسموح بها، وتتجاوز الخوف من تبعات الاختلاف مع التيارات السائدة والقوي المختلفة، والتخلي عن الطمع في نيل الرضا والقبول، والتخلي عن حسابات المكاسب ﻭ الخسائر، وإرضاء الآخرين أو تجنب سخطهم.
العدو الأول للحرية في حياتنا ككتاب رأي هما الرجعية، والحكومات الديكتاتورية الخانقة اللتان سيطرتا علي عقولنا منذ عشرات القرون، والكاتب الحر والشريف من وجهة نظري هو الذي إذا لم يستطع ان يواجه الطاغية الذي يقمعه، فلا ينبغي أن ينافقه، و عليه أن (ينطم) ويصمت.
الحرية لا تُري بالعين المجردة، لكنها ضرورية لنعيش، هي الأوكسجين الذي لا يشعر بنقصانه (الدونجية)، فعبيد الاستبداد والرجعية مثل (الطوب الأفغاني)، لا يتنفسون ابدا، هم كالبُنيان المرصوص، وجدار صد ضد الأحرار والحرية.
الحرية، شرف الكاتب، وحرية الكاتب ليست مجرد حق طبيعي له، بل هي مسؤولية جسيمة تجاه نفسه، وتجاه جمهوره، وتجاه وطنه.
وكل كلمة يكتبها تعبر عن جزء من هويته الفكرية، وتنقل تجاربه وآراءه ومشاعره إلى القارئ، وفي نفس الوقت، يتحلى بالشجاعة الكافية ليعبر عن آرائه بصدق، دون أن يخضع لضغوط خارجية تجبره على قول ما لا يؤمن به أو ما لا يعكس قناعاته الحقيقية.
الكاتب النزيه لا يسمح لنفسه بأن يكون أداة في يد أحد مهما كان، أو صوتا للآخرين يتحدث بما يريدون سماعه، فالكاتب النزيه يعلم جيدا أن حرية التعبير تعني أكثر من مجرد إبداء الرأي؛ فهي تعني أن يكون صادقا مع نفسه أولاً قبل أن يكون صادقا مع الآخرين، فلا يكتب شيئًا يعرف أنه مضطر لقوله، أو يخشى عواقب قول غيره، بمعنى أن يخون قلمه وقناعاته، و هذا النوع من الكتابة لا يمكن أن يكون حراً، بل هو نوع من الخضوع لمجتمع يسعى للتحكم في فكره وقلمه وكلمته.
إن قيمة الحرية في الكتابة، بالنسبة للكاتب الحر، ليست مجرد نشاط يفُرغ من خلاله أفكاره، بل هي وسيلة للتعبير عن ذاته، ومواقفه، وشكوكه أيضا ، فالكتابة التي تعتمد على الشك و اللايقين تمتاز بالصدق، وتقدم للقارئ فرصة للتفكير والتأمل، والكاتب الحر لا يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، بل يعرض ما لديه من أفكار وتساؤلات، ويدع القارئ يشاركه في رحلته الفكرية الممتعة.
والكتابة التي تعتمد على الصدق والحرية هي التي تترك أثرًا دائما في ذهن القارئ.
الكتابة لا تعترف بالقيود، ولا تخضع لأي نوع من أنواع الرقابة، والكاتب الذي يشعر بالضغط من الرقيب الداخلي أو الخارجي لن يستطيع تقديم كتابة صادقة، ولذلك، فإن الكاتب الحر هو من يستطيع أن يكتب دون أن يشعر بهذا الضغط، ودون أن يضطر إلى التحايل أو التلاعب بالكلمات والألفاظ.
الحرية الحقيقية تعني أن يتجاوز الكاتب كل المخاوف الناتجة عن الخوف من السلطة أو فقدان المنصب أو عدم القبول في المجتمع، كما تعني التخلي عن حسابات المكسب والخسارة والسعي وراء إعجاب الآخرين، فالكاتب الذي يسعى لنيل رضا الجميع لن يستطيع أن يكتب بصدق، ولن يكون قادرا على تقديم كتابة حرة نزيهة مؤثرة.
الكتابة الحرة تتطلب من الكاتب التحرر من كل أنواع الضغوط الخارجية، و ان يكون قادرا على التعبير عن أفكاره دون الخضوع لأي نوع من أنواع الرقابة، فالكاتب الذي يخشى مواجهة الأفكار السائدة أو التعبير عن آرائه المختلفة لن يستطيع أن يقدم كتابة مميزة، ولذلك، فإن الحرية هي العامل الأساسي الذي يمكّن الكاتب من أن يكون صادقا مع نفسه، ومع جمهوره، ومع جميع قرّائه من المواطنين والمقيمين.
كاتب رأي



ابدعت أ. محمد كلام منطقي ولا عليه غبار