جواز السفر إلى الجنة وأكذوبة التأمين الإلهي

يستطيع الإنسان إصدار تأشيرة زيارة أو عمل أو سياحة أو عمرة أو حج واستخراج جواز سفر يمكنه التنقل به بين الدول هذا شيء مقبول ومعقول ويمكن تصديقه والتسليم به نظرًا لأنه في متناول العقل والمنطق، لكن أن يقوم بإصدار جواز السفر إلى الجنة ويمنحه للآخرين فيقول لهم هذا مفتاح الجنة وتلك موافقة الإله، عن سابق إرادة ودافع مقصود وعن قناعة تامة وقوة معتقد وبلا خوف أو حتى وجل من عواقب إدّعاء الغيبيات! هنا اللامعقول بعينه! وهذا أمر يدعو للاستغراب والتعجب وفوق مستوى المعقول وخارج حدود المنطق.
هل فعلاً هناك من يفكر في هكذا أمر خفي أبعد عن الحقيقةويؤكد لنفسه أن بإمكانها إعطاء غيرها مفاتيح الجنة دون أن تكون متيقنة من أنها قد ضمنت الدخول إليها أم لا! هل يمكن للمرء تجاوز حدود الإقناع حتى يصبح بمقدوره سلب الإرادة وجعل الآخر لا يميز بين الصواب والخطأ؟
كيف له أن يعطي لنفسه الحق في ممارسة الألوهية والربوبية والتحكم بمصائر الخلق وعقولهم وأفكارهم ومستقبلهم؟
من أعطاه الحق في ذلك؟ من سمح له أن يفعل كل تلك الجرائم بحق العقول؟
على النقيض منه والأدهى والأكثر مرارة والأشد قسوة هو كيف للآخرين تصديق تلك المعتقدات الواهية وقبولها واعتناقها والإيمان بها دون أن تنكر الفطرة الإنسانية عندهم الخطأ الجسيم الذي يرتكبونه في حق أنفسهم.
كيف لهم أن يرموا بأنفسهم إلى خنادق الموت وإزهاق أرواحهم بكل بساطة وبلا أدنى تفكير.
هذا حال المرجعية الدينية في الجمهورية التي يدعي أصحابها أنها إسلامية. يدعون أنهم مسلمون فيوجهون أتباعهم للطم وشق الصدور وهم لا يفعلون! يدعون أنهم مسلمون ورئيسهم الأكبر لم يكلف نفسه يومًا أن يزور مكة المكرمة والوقوف بمشعر عرفات لتأدية الركن الأعظم لأهم ركن من أركان الإسلام. يدعون أنهم مسلمون لكنهم لم يطوفوا يومًا بالبيت العتيق لأداء العمرة والسعي بين الصفا والمروة ولم يعرفوا حتى الأبواب التي توصل إليه.
تاريخ طويل من الأكاذيب، وتمرّس في اختطاف العقول وإيغال في التحكم بمصائر البشرية وإقحام الدين في كل المخططات، واستغلال فرص تدفق الولاء والطاعة وممارسة الأيديولوجيات بحق البسيطة الدهماء التي تدين بالولاء للمرجعية الدينية في طهران وتتواجد كأقليات في دول وأقاليم ويثار حولها قضايا المظلومية وانتقاص الحقوق والتقزيم ومصادرة الآراء وتقييد الحريات رغبة في إثارة النعرات والكراهية وتقسيم المجتمعات وتفتيت المكونات الاجتماعية للوصول للأهداف الضيقة.
حسبنا اليوم التركيز على كيفية الاستيلاء على العقول عند المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم مرشدهم الأعلى، ثم صياغة وصفة فكرية تعين على مجابهة الأفكار المتطرفة،يبدو هذا الأمر كافيًا ومقنعًا إلى الحد الذي يجعلنا ننادي برفع نسبة الوعي الفكري عند الناس وحثهم على الحرص والحذر في عدم الانجرار خلف الاستجابة السريعة للمؤثرات الخارجية والعمل على تحرير الفكر من التبعية المتطرفة التي ينتهجها أعداء الإنسانية.
قد يغفل الكثيرين عن قراءة اختطاف العقول لذا كان من الضرورة التفصيل في هذا الشأن.
يمر الاستيلاء على العقول بمراحل عديدة أولها رصد الأهداف واختيارها بعناية فائقة يجيء فيما بعد التركيز على الاحتياجات النفسية والمادية والاجتماعية للضحية، واستغلال الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها البعض،يلي ذلك البدء بنفث السموم في الأدمغة المستهدفة رغبة في إخضاعها لقبول وتلقي التوجيهات ثم القيام بعمليات الشحن والتعبئة والتغليف تمهيدًا للتصدير.
إنه خط إنتاج سقيم بلا شك ، لكننا لن نسمح له بالوصول إلينا ولا التغلغل في طبقات الوجود الواعي لشبابنا سنعمل بكل قوتنا على دحر هذا المرض الخبيث واستئصاله ، سنعمل بكل طاقاتنا من أجل تعرية أهدافهم وفضح مخططاتهم بما أنهم اتخذوا الدين راحلة يمتطونها للوصول إلى مآربهم، لن نترك لهم فرصة لالتقاط أنفاسهم حتى لا تجتمع قواهم ولا يلتئم شملهم، سنكون دليلاً وبرهانًا في وجه أكبر أكذوبة مرت على العصر الحديث ، لن تسمح مؤسساتنا الدينية والتربوية بانقياد الأفكار لأغراض غير سليمة ، ولن نترك عقول أبنائنا عرضة للإلحاد والتطرف والإرهاب.
إن المعركة الحقيقية التي تواجه البشرية في العصر الحالي هي معركة احتلال الفكر؛ لذا يقع العبء الأكبر على الوالدين في كيفية مواجهة هذا الزخم الكبير من المعلومات المتدفقة على أفكار الأبناء من خلال ما تعرضه الحسابات والمواقع الإلكترونية والتصدي لها بكافة الوسائل الممكنة ثم يجيء دور المدرسة والجامعة في صناعة العقل، بعدها يأتي دور المسجد في نشر ثقافة كيفية المحافظة على عقل متصل مع الواقع الإنساني والاجتماعي والتربوي والأخلاقي.
علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي