كُتاب الرأي

جفاف الأرواح في مهب الرياح

 

جفاف الأرواح في مهب الرياح

كانت الكلمة الطيبة، والنظرة الحانية، واليد الممدودة بالود، قادرة على أن تبني جسورًا من الثقة لا تهزها أعاصير الزمان. أما اليوم كأنما مهب الرياح قد اجتاح كل شيء وتركنا في صحراء عاطفية قاحلة نبحث عن قطرة دفء فلا نجدها. تبدلت القيم وتغيرت الأولويات وصار الإنسان مشغولًا بركضه اليومي يلهث خلف طموحات لا تنتهي وينسى أن أهم ما يملكه هو قلبه. العاطفة اليوم باتت سلعة نادرة إما مزيفة لغرض أو مبتذلة على أعتاب المصالح. أصبح التعبير الصادق عن المشاعر خجلًا وأحيانًا ترفًا لا وقت له. إن اندثار العاطفة لا يعني فقط غياب كلمات الود أو مشاعر الحنان بل يعني أيضًا جفاف الروح وقسوة العلاقات وفراغ اللقاءات من معناها الحقيقي. أصبحنا نتواصل بأجهزة باردة لا تنقل حرارة الوجدان بل ترسل رموزًا لا حياة فيها حتى ضاعت معانٍ كثيرة كانت تنبض بين السطور والنظرات. ومع كل هذا الغبار الذي تثيره رياح العصر تظل هناك قلوب تقاوم تحاول أن تتشبث بالعاطفة كما تتشبث الشجرة بجذورها أمام العاصفة. هذه القلوب هي الأمل وهي البذور التي قد تنبت يومًا في أرض أكثر دفئًا وإنسانية.

في النهاية ليس اندثار العاطفة قدرًا محتومًا بل هو نتيجة اختياراتنا اليومية. كل كلمة صادقة نقولها وكل لحظة اهتمام نقدمها وكل بادرة دفء نبثها هي مقاومة بسيطة لكنها عظيمة ضد جفاف العالم. فلنكن نحن البداية ولنزرع العاطفة حيثما مرت بنا الرياح.

معلا السلمي

معلا علي السلمي

كاتب رأي وإعلامي

تعليق واحد

  1. ردًا على هذه المقالة العميقة والمؤلمة في آن:

    ما كتبته ليس مجرد رثاء للعاطفة، بل هو توثيق لحالة انهيار إنساني نعيشها بصمت. نعم، الكلمة أصبحت ترفًا، والمشاعر الحقيقية غدت عبئًا ثقيلًا على قلوب متعبة. كأن هذا العصر قرر أن يقتل العاطفة تحت عجلات السرعة والسطحية.

    أصبت حين قلتِ إن الجفاف لا يتمثل فقط في قلة الكلمات بل في جفاف الروح. نحن لا نفتقد العناق فقط، بل نفتقد المعنى. نفتقد أن يسألنا أحد: “كيف حالك؟” ويعنيها.

    لكن رغم هذا الخراب العاطفي، أعجبني بصيص الأمل في السطور الأخيرة. القلوب التي تقاوم… تلك التي ما زالت تؤمن بالدفء، تستحق أن تُروى لا أن تُطفأ. كل من يحتفظ بإنسانيته اليوم وسط هذا الزيف، هو مقاوم حقيقي.

    العاطفة ليست ضعفًا، بل هي الفارق بين “أن نعيش” و”أن نوجد فقط”. فشكرًا لهذه الكلمات، فهي بذرة دفء في زمن بارد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى