كُتاب الرأي

جدة صوت النَّغم وأغنية الحياة

 

 

جُدة التي تغنَّى بها الشُّعراء وكما تغنى بها كبار الفنانين أيضاً، هي عروسة البحر الأحمر ومعزوفة المساء ونسمة الصباح، كما كان يُصر على نُطقها بضم الجيم المُؤرخ الأديب الأستاذ محمد حسين زيدان، والتي أكرمت لجنة “أمانتها” المكونة من كبار المؤرخين والأدباء والنُّخب الثقافية، بتسمية أحد شوارعها باسم الزيدان، بحي النعيم المُمتد من شارع الأمير سلطان بن عبد العزيز في اتجاه الشرق، وهكذا يُكرَّم الأدباء، وإن كان بعض الأسماء من الأدباء والقيادات التربوية على مستوى مديري التعليم، والإعلاميين والمؤرخين ورجالات الدولة، ممن تستحق أسماؤهم اطلاقها على شوارع مماثلة في محافظة جدة، ومع هذا كانت ولازالت جُدة المدينة الجاذبة، في معظم مناحي الحياة، وفي مقدمتها مينائها الذي كان يُطلق عليه تاريخياً ” الصِّقَالة ” ويردده كبار وجهاء جدة وربابين البحر، ومَنْ عمل في الميناء لأكثر من سبعين عاماً مضت، فميناء جدة الإسلامي كما أطلق عليه هذه التسمية الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، عند حفل الافتتاح في آواخر الستينات الميلادية، ويُعد هذا الميناء أكبر الموانئ التجارية على ساحل البحر الأحمر.

جُدة المدينة التي تغنَّت بها قصائد الشعراء وحُفرت حروفها على مجسَّمات ميادينها الجميلة، كما قالها: الأستاذ الأديب طاهر زمخشري عن نفسه! في حفل برعاية الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله،: قائلاً: ” أنا كومة من الفحم سوداء تلبس ثياباً بيضاء، يقول شعراً قصائده حمراء وخضراء وصفراء” أولئك الذين نُسجت قوافي قصائدهم بعزف الشجن وتراقصت كلماتهم بحب الوطن “مقام حجاز”، بحسب الرواية التاريخية، لأستاذنا الأديب محمد صادق دياب رحمه الله، عميد التربويين وكبير صناعة فن الأدب والأعمدة الصحفية، وواحد ممن لم تنساهم الصحافة السعودية بحضوره الباهي، ولاعب خط الوسط وصانع الألعاب لـــ “حراك الحداثة والأدب التقليدي”، وعلاقاته المتوازنة بين طرفي المعادلة بالفترة الزمنية في منتصف الثمانينات الميلادية، وأحسب نفسي شاهد عصر لتلك الفترة الأروع لرموز الأدب بنادي جدة الثقافي الأدبي، والمحرك الرئيسي وواحد من أساتذة الجيل الأديب عبد الفتاح أبو مدين رئيس النادي الأسبق رحمه الله.

وكانت حديقة الشعراء مرتع جلسات الأدباء حتى ساعات الصباح الأولى، وهي الحديقة الملاصقة لمبنى فرع وزارة الخارجية أبرز معالم جدة، والذي طُبعت صورتها على عملة من فئة الريال في عهد الملك فيصل رحمه الله، ومن عُشاق مدينة جدة كبار الفنانين، التي تغًّنت بهم الكلمة الرَّاقية وجمال اللحن والطرب الأصيل، لكُتًّاب الكلمة المغنَّاة بمصاحبة فرقة الإذاعة والتلفزيون، وحضور الجماهير لبروفاتها التي يبدأ الاستعداد لها، قبل عيد الفطر المبارك بأسابيع من كل عام، رحم الله من تُوفاه الله منهم وأطال بعمر من لازال على قيد الحياة، بالعطاء المتواصل المعبر بصدق عن حب الوطن وقيادته، عن الجمال ولحن الحياة، بنغم الكلمة في صورة ينفرد بها الفن السعودي بشهادة كبار الملحنين والنُّقاد العرب.

وتبقى جُدة القصيدة التي تنتظر أجمل الألحان وأعذب الأصوات، خصوصا في هذه المرحلة التاريخية الرَّاهنة والتطوير الذي تشهده جُدة هذه الأيام، بدءاً من جهود معالي أمين محافظة جدة الشيخ صالح بن علي التركي، وهو أحد أبنائها الذي يعرف أزقتها وأقدم مبانيها ورواشينها وأرقى شوارعها، وفي ظني أنه يتذكر ولادة توسعة شارع الذهب المُمتد من شارع الميناء والذي سمي لاحقاً ” شارع الملك خالد” إلى ميدان البيعة شمالاً، قبل أن يتغير أتجاه إلى الجنوب، من ميدان البيعة مخترقا بوابة باب شريف، مرورا بطريق الملك فهد، وحديث الذكريات عن جدة مليء بالكثير مما تختزنه ذاكرة أبناء جيلي في الليالي المُقمرة، مع أصدقاء الزمن الجميل، لفترة شبابية هي الأجمل، حيث كُنا نقتعد بذلك المكان الرَّاقي أمام قصر الحمراء من ناحية البحر قبل أن يتم ردمه ضمن الخطة التطويرية السابقة، وتعيش مدينة جدة أزهى أيامها حاليا بالدعم من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الداعم والموجه ومهندس رؤية المملكة 2030، ومُجدِّد النهضة التنموية والعمرانية التي تعيشها مدن المملكة ومنها مدينة جدة.

محمد حامد الجحدلي

الدكتور محمد حامد الجحدلي

مستشار رئيس التحرير

تعليق واحد

  1. تظل مدينة جدة، صوت النغم وأغنية الحياة، مصدر إلهام لكاتبنا المبدع الأديب الأستاذ/ محمد حامد الجحدلي الذي ينثر اليوم قلمه الشاعري الكلمات بعشق وحماس لهذه المدينة الساحرة.

    هذه المدينة الساحرة التي ينغمس في مفرداتها على شواطئ البحر الأحمر كاتبنا الجميل ويتغزل بجمالها وتنوعها، تبقى مدينة لا تنسى تحمل في طياتها أغاني الحياة وتراثها العريق.

    يتجلى جمال جدة في طبيعتها وتاريخها العريق، ورموزها، وسكانها، وتراثها الثقافي المتنوع الذي يبرز الروح المتنوعة الجميلة والتعايش الفريد بين الثقافات المختلفة.

    تألقت كعادتك يا أبا معتز في هذه المقال، ونسجت من الكلمات ببراعة عشقك العميق لمدينتك، وأسرت القارئ واسترني بتصويرك الجميل لجمالها وتاريخها، وابراز رموزها، ومكانتها التاريخية، وألقيت الضوء على الروح الحضرية المتنوعة والتناغم بين ثقافات سكانها، و بكلماتك الرقيقة العذبة، ملاءتنا شغفا وحماسا لاستكشاف جمالها ، والانغماس في سحرها الفريد، كلماتك تنبض بالحياة وتحمل في طياتها روح المكان وثقافته المتنوعة، وطيبة أهلها الذين تتكلم في مقالك هذا بلسانهم وتمثلهم في جميع المحافل خير تمثيل.
    تحياتي

    محمد الفريدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى