كُتاب الرأي

ثقافة التسامح

لنا أن نتصور مجمل المواقف الإنسانية، حيث كان للمجتمعات الراقية النصيب الأوفر بقيامها بها، إيمانا منها بدورها الحضاري، ومنهجها السياسي وحرص قياداتها على ترسيخ مفهوم التعايش مع الأديان الأخرى، واحترام المذاهب والعقائد الدينية وحرية الممارسة، بما لا يتعارض مع احترام التقاليد والعادات للشعوب العالمية، تمسكا بتلك المبادئ الخالدة وبمساعيها الحميدة للمساهمة بفاعلية للبناء الحضاري، وتعزيز دور الرسالة السماوية السامية، والبحث عن هذه القيم الأخلاقية لابد من وجود أرضية خصبة ومشجعة، يمكن تحقيق نتائج ايجابية من خلالها، قد تتوفر في مجتمع من المجتمعات، وإن اختلفت المعتقدات الدينية وتباينت المذاهب، وهنا تكمن خطورة الموقف، وقد تكون مواقف متعددة تتقارب وتتباعد وفق المفاهيم والأمزجة والمعطيات.
وهذا التباعد له خطواته الكبرى ولاسيما في زمن التوترات والأطماع والصراعات ولغة الأنا، وما لم تتوفر أمام هذه الحزم الشائكة، لغة مشتركة في التواصل الاجتماعي، تشجع على إقامة لقاءات فكرية وثقافية، تشرف على الإعداد لها لجان أكاديمية متخصصة بخطاب واقعي بعيدا عن الإنشاء، ويسمح لجيل من شباب الجامعات الانخراط في حوارات فكرية وثقافية، تحقق قدر كبير من الأماني والطموحات التي تنظر لها هذه الأجيال بكثير من الأهمية، ومن الشجاعة أن يكون للنقد مساحة كبيرة من القبول، تعطي الآراء الأخرى فرصة المشاركة في عدد من هذه المؤتمرات، بتخصصات وأطروحات في شتى العلوم ذات الارتباط المباشر بالحياة، لكنها في نهاية الأمر تصطدم بأن إعدادها المسبق تم بدون أخد آراء المشاركين فيها.
وبعض هذه المؤتمرات والندوات تنفق عليها الدول مبالغ هائلة، تتجاوز التكلفة العادية تتحملها الجهات الرسمية المنظمة، والبعض الآخر تنظمه مراكز أبحاث ودراسات، في الطب والاقتصاد والسياحة وغيرها من قوائم يطول الخوض في تفاصيلها، وتجد تغطيات إعلامية على قدر كبير من المهنية، لكنها لا تلبث بعد انقضاء الأسبوع الأول من إقامة المؤتمر أو الندوة، وهناك مشكلة بدأت تظهر على السطح بإسناد محاور المؤتمر لشركات ومراكز أبحاث، تدعي أنها جديرة بنجاح المؤتمر وتحقيق أهدافه، في ظل تكلفة مالية مقننة، وبالتالي تتمتع هذه الشركات ومراكز الدراسات بحصرية نشر الإعلانات، وفق تصنيفات معينة برونزية وفضية وذهبية، ومن خلالها تقبل مشاركات الأبحاث وأوراق العمل في المؤتمر، وبالتالي فإن نوع ومستوى المشاركة غالبا ما يخضع لرؤية تلك الشركة أو مركز الدراسة.
لازال الأمل منعقد في عالمنا العربي، على وزارات التعليم والجامعات والثقافة والإعلام وبقية الوزارات المعنية، أن يسند تنظيم هذه المؤتمرات للجامعات، ولاسيما التي تمتلك تجارب عالمية ناجحة سابقة، وتتوقف المشاركات على أساتذة الجامعات وطلاب الدراسات العليا، متى ما كانت المشاركات تنطبق عليها معايير الأبحاث والدراسات العلمية الجادة، لأنه لم يكن لدينا الوقت والقناعة معا، لنصدق كل ما يطرح علينا من أفكار وآراء، قد لا تتناسب مع مفاهيم المجتمع والتنوع الفكري والثقافي الذي يتمتع به، وأصبح جزء أساسيا من نسيجه الاجتماعي، كضرورة حتمية وليس ملء فراغ ومكتسبا مادي حلو المذاق، لا يحقق إضافة في التنمية البشرية تعكس المظاهر الحضارية للمجتمع، الذي تقام فيه تلك المؤتمرات وتتصف بالفاعلية ويرتقي لترسيخ مفهوم التعايش.

محمد حامد الجحدلي

الدكتور محمد حامد الجحدلي

مستشار رئيس التحرير

‫4 تعليقات

  1. موضوع جدا مهم 👍وخاصة في هذا الزمن ، لأن ثقافة التسامح قد باتت في طي النسيان للأسف ، رغم أن ديننا الحنيف أكد عليها في آيات كثيرة وأحاديث أكثر .
    شكرا لك أ. محمد على انتقائك لهذا الموضوع👏👏

  2. لله درك .. أستاذي ومعلمي محمد على هذا المقال المؤصل لشعيرة إسلامية ومنهج نبوي كريم. ليس أدل على ثقافة التسامح ما صح عن تعامله صلى الله عليه وسلم مع يهود خيبر حد انه تتاجر معهم ورهن درعه عند أحدهم وفي قصة ضعيفة الإسناد أن زار اليهودي المريض الذي كان يقذف القمامة أمام بيته .. هذه ثقافة الإسلام المغيبة عن كثير من ذوي العقول المثقلة برفض الآخر.

    شكرا .. أستاذي الكريم، فانت خير من مثل ثقافة التسامح .. فلم تحكها لنا أو تسرد لنا قصصا عنها، بل كنت تمثلها في تعاملك معنا ومع غيرنا.

    حفظك الله

      1. الشاعر المبدع الأستاذ إبراهيم الدعجاني
        وماذا عسايا أن أفعل بعد أن أضأت سراج خُطايَا بما سطَّرته يُمناك بكلماتك التي أكاد أجزم بأن تبقى في ذاكرتي تُجدد طموحي تشجيعا وحافزا معنويا حين تكون لي الكتابة لي متنفسا نحو الأفق البعيد …
        لقد اشتقت للقاء يجمعني بك متى ما سمح وقتك لك عظيم تقديري واعتزازي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى