كُتاب الرأي

ثقافة الترشيد مفقودة لدينا

عبدالله سالم الصعيري

 

ثقافة الترشيد مفقودة لدينا

ان ديننا الحنيف والسنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام تحثنا على الادخار والاعتدال، قال تعالى:

(ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا)

الإسراء ٢٩

والحكمة تقول: خذ من غناك لفقرك.

وهذه الحكمة هي جزء من حديث رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.

وهذا المبدأ النبوي يرشد الى أن الغنى يعرض ويزول، وأن على العاقل أن يغتنم غناه بما ينفعه في آخرته، وأن يدخر منه لما ينفعه في حوائجه. فكم رأينا من أغناه الله تعالى فلم يشكر تلك النعمة، ولم يغتنم غناه بما ينفعه، بل سار ينفق المال دون حساب، ولما افتقر تندم حيث لا ينفع الندم.

ونرى أنه تنتشر خلال هذه الايام النكت والتعليقات التي توحي بأن الراتب لم يبق منه أي مبلغ، ويجب أن يتم صرفه كاملا قبل نهاية الشهر، وأن التوفير مستحيل. وهذا يعتبر فكرا وسلوكا غير صحيح وغير مدرك وغير سليم، لأن التوفير أمر مهم جدا وضروري وأساسي لكل صاحب دخل، ولو بنسبة ٥ او ١٠٪ من الدخل أو المرتب، للأمور الطارئة والظروف الصعبة. ولكن هذا الوعي مفقود بنسبة كبيرة جدا بين أفراد المجتمع، وغير مطبق وغير معمول به في أغلب الأسر، بل إن القاعدة أو الحكمة المتبعة هي: أنفق ما في الجيب يأتك ما في الغيب.

وحدثني أحد الزملاء بأنه كان لديهم موظف من احدى الدول العربية الشقيقة، وكان راتبه قليلا جدا قد لا يتجاوز ألفين ريال. وفي احدى الاجازات الصيفية، وبحكم الصداقة والعلاقة التي بيننا، عرض علي دعوة لقضاء الإجازة لديه في بلده، ودعاني لزيارته، فوافقت ولبّيت الدعوة، وسافرت الى بلده، وقمت بزيارته. والغريب والمدهش جدا ما شاء الله كانت لديه شقة جميلة جدا ومؤثثة تأثيثا ممتازا، وأجهزة كهربائية ممتازة ومعروفة. وتناقشت معه عن كيف استطاع تأمين هذه الشقة وبهذا التأثيث والجودة، وأنا أعرف راتبه ودخله الذي لا يتجاوز ألفي ريال. فقال: نحن لدينا قاعدة التوفير، مهما كان راتبي، لو ألف ريال، يجب أن أوفر منه مبلغا بسيطا، ولا أصرفه كله في شهر واحد، ولو أوفر منه مئة ريال فقط. ومن خلال راتبي، كنت أحول لأسرتي ألف ريال، وأوفر خمسمئة ريال، وأصرف خمسمئة ريال. ومن خلال ذلك التوفير، وخلال عدة سنوات، استطعت تأمين مبلغ شراء الشقة وتأثيثها كما رأيت. ولعلمك لدي سيارة تاكسي، ويعمل عليها أحد السائقين، وبدخل شهري جيد جدا.

التوفير والتقنين أمر أساسي وضروري ومهم جدا للفرد والمجتمع، وحتى على مستوى الدول، فالدول التي لا تحرص على الترشيد والتوفير والادخار تكون عرضة للديون والقروض الدولية والفقر والإفلاس.

والحكمة تقول: وفر قرشك الأبيض ليومك الأسود.

كاتب رأي ومستشار أمني

عبدالله سالم الصعيري

كاتب رأي ومستشار أمني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى