تعويذة السلام

مربم فرح الدين
تعويذة السلام
منذ العام الكوني الثالث وأنا أبحث عن كلمات تحمل رائحة الحياة والبساتين، تلتف حول حروفها سيقان البامبو وأعواد الياسمين لكي أستطيع أن أقدمها لك، لا كي تليق بي أو بك، بل لكي تليق بهذا الحب العبقري.
أنا هنا لأرش السكر فوق قلبك،
أنا هنا لأدندن لحناً لا شرقيًا ولا غربيًا، لا موسيقى تعزفها الأقدار،
أنا هنا لأفجر بين أصابعي الأنهار.
أحملك على الغيمات السبع وأجعلك فوق النظر وفوق السمع، ونبني سورًا حول كل الأسرار.
الليلة…
الليلة فقط دعنا نتحرر من الأسماء وأكون أنا أي امرأة.
الليلة فقط أريد أن أتحدث بمنتهى الوضوح، بمنتهى الجموح، أريد أن أطلق العنان للصامت الذي بداخلي، فلا أخطر من أنثى تكسر القيود وتطرق الأبواب.
هل دق قلبك الآن عندما رأيت كلماتي؟
هل ملأت صدرك اللافندر بنفس عميق؟ بزفير يتبعه صمت، ثم يتبعه زفير آخر، ثم شهيق…
ماذا ترى الآن؟ سأقول:
في لحظة ما تنتهي كل قدرتنا على ادعاء القوة، على التماسك، على التغلب.
وحينها، أما أن نسقط من أعلى قمة اليأس، أو ننفجر كالبركان يحرق كل الخيبات.
أقف مرتبكة، لا أعرف ما العمل!
لست أنا، لست من ادعي،
خائف جدًا، ارتعد، ابتعد،
بلا حوار، بلا نقاش، بلا جدال،
على حياد بين الأجل أو أن يأتي الأجل.
يتلبسني شعور مرهق وكأنني أحيا على الأرض منذ بداية الخلق،
وكأنني موجه يبحث عن شاطئ تفترشه وتبكي،
وكأنني أركض منذ ألف عام أبحث في الوجود عن ألف قطعة مبعثرة في كل اتجاه.
هشّة، أبكي بغزارة كطفل رضيع،
حائرة، والجميع راحل.
بلا قرار: هل أبقى أم أنني أفر؟
لا أعرف من يجب أن أشتري ومن يجب أن أبيع.
العالم من حولي مقفل، وعلى كل باب تسعة أقفال،
خلفي ذئاب جائعة، وأمامي سد منيع.
أين أذهب بأحلامي؟ أين سأضع حقائبي الفارغة؟ كيف سأقف كالناضج لأناقش نفسي بآلاف المواضيع؟
السيف في خاصرتي يغني ويعزف، وأنا أنزف، لا ناصر لي ولا شفيع.
برأيك، ما الذي كنت أحتاجه؟
هل تعتقد يا سيدي أنني سأكون بحاجة إلى شخص يقول أحبك ويدندن لي لحناً جميلاً مضافًا له بعض البريق؟
أنا بحاجة ماسة إلى تجميع، لملمني واجمع أشلائي بسرعة قبل أن أضيع.
أنا بحاجة إلى معجزة، لا إلى قصة حب،
إلى نبي، لا إلى عاشق،
بحاجة إلى أساطيل وجيوش، أنا بحاجة إلى معبد أتلو فيه صلاة صادقة الأحاسيس، إلى قلوب بيضاء بلا تدنيس.
إلى تعويذة سرية عليها الكثير من الوعود.
لم أجد درعًا يحميني كـ”سورة البقرة”،
لم أتعمد اعتيادها، ولكنني اعتدت عليها،
لم أتعمق في الحديث، بل تحدثت،
لم أتعمّد حياتي قبلها ونسيتها، بل حرقتها.
ذات غفوة، كنتُ ورده نائمه بعد طول انتظار حتى ارتويت بها،
وأمطرت عشقًا وحبًا وغرامًا ونجمات مضيئة،
وأمطرت ياسمينًا وغيمات ورد وبياض حلم وضحكات أطفال بريئة.
لذا، قبل أن تحدثني عن الحب، اربت على كتف قلبي،
خذني إلى الطريق المنير هناك، كي نبحث عن السعادة.
فقد سقطت منا سهواً هي وهواياتنا والكثير من المشاعر.
لم أنسَ حتى الآن تلك اللحظة تحديدًا،
التي اخترت فيها التعويذة على أن أخبر أحدهم كم أنا حزين.
كم من الأعوام يلزمني كي أجعل كلماتي تليق؟
كم من الأعوام يلزمني كي أصفها بجملة أو حتى عبارة؟
أيها العالم الكبير الصغير، كنت تقيدني كثيرًا،
أنا الآن تحررت.
أنا الآن لا أهابك،
أنا الآن في أمان الله،
أنا الآن ما أسعدني.
أنا الآن أنا، ولا شيء يمكنه أن يمس سكينتي.
كاتبة ومؤلفة