في ظلال المشهد المسرحي
تعلمّنا فتميّزنا ..

تعلمّنا فتميّزنا ..
تعلمنا منهم فتميّزنا، تعلمنا من الآخرين فابتكرنا وأبدعنا، فالمسرح السعودي لم يولد في عزلة، بل نما وهو يمد يده إلى التجارب المسرحية العربية ليستقي منها زاداً فكرياً وفنياً، ثم يعيد صياغته بما يتلاءم مع بيئته وروحه الخاصة. أخذ من مصر صرامة النص وبراعة البناء كما وضعها توفيق الحكيم ويوسف إدريس، لكن هذا الوهج اصطدم بغياب الدعم الإعلامي الذي صنع شهرة المسرح المصري، وهو ما أشار إليه عباس الحايك حين lamented أن المسرح السعودي لم يحظَ بعرض مسرحي واحد تقريباً على شاشاته، بينما امتلأت الشاشات العربية بجمهور العروض المصرية والكويتية والسورية. ومن العراق وسوريا جاء بريق التجريب وحرارة الطرح الفلسفي، فمهرجان القاهرة التجريبي ترك أثراً عميقاً في وعي المسرحيين السعوديين، وقد اعترف فهد ردة الحارثي بأن انطلاقة التجريب في الخليج جاءت متأثرة بهذا المهرجان، فظهرت مسرحيات مثل “العزوبية ”التي أعادت قراءة التراث الشعبي بروح جديدة، وأعمال أخرى كسرت هيكل النص التقليدي، وحولت الضوء والظل إلى أدوات درامية توازي الكلمة. أما من الكويت فكان الدرس الأقرب إلى القلب، حيث تعلم السعوديون كيف تُستخدم الكوميديا أداة للنقد الاجتماعي، كما فعل سعد الفرج وعبد الحسين عبد الرضا، لينعكس ذلك في عروض سعودية جمعت بين الطرافة والجد، ووجدت جمهورها المتعطش في الجامعات والمهرجانات. ولم يكن عرض “وسطي بلا وسطية ”سوى شاهد على هذا التلاقح، فقد جسّد فكرة سعد الله ونوس بأن المسرح منبر للتنوير والنقاش، فطرح قضايا فكرية وإنسانية بجرأة غير مسبوقة. وعلى مستوى النصوص، رأت الناقدة وطفاء حمادي أن كتاباً سعوديين مثل سامي جمعان وعباس الحايك نجحوا في إنتاج نصوص غنية ومتنوعة، تؤكد أن المسرح السعودي لم يكن تابعاً، بل كان يسير بالتوازي مع تجارب عربية كبرى. هكذا يتضح أن المسرح السعودي لم يكتفِ بالتلقي، بل أعاد تشكيل ما تعلمه ليصوغ هوية مسرحية ذات خصوصية، استفادت من الآخرين لكنها لم تذُب فيهم، واستطاعت أن توازن بين الأصالة والتجريب، بين التراث والحداثة. ومع ذلك، فإن ضعف الدعم الإعلامي والمؤسسي ظل العائق الأكبر أمام انتشاره عربياً، إذ لم يبلغ بعد حجم الحضور الذي حققه المسرح المصري أو الكويتي. واليوم، ومع ما فتحته رؤية المملكة 2030من آفاق، يقف المسرح السعودي على أعتاب مرحلة جديدة، لم يعد فيها متلقياً فقط، بل أصبح قادراً على أن يردّ الجميل للمسرح العربي بإضافة خبرته وهويته المتفردة إلى المشهد الإقليمي.