كُتاب الرأي

تعطل التقنية لا يعطل الرسالة، يبقى المعلم حاضر بروحه قبل برنامجه

تعطل التقنية لا يعطل الرسالة، يبقى المعلم حاضر بروحه قبل برنامجه

لا شك أن برامج الحضور ضرورة لتنظيم العمل وتوثيقه. لكن هذا الموقف يرسل رسالة أعمق للجهات التعليمية: أن الثقة في الميدان، وفي المعلم خصوصًا، هي أساس نجاح أي نظام. فالتقنية وحدها لا تصنع التزامًا، إنما تصنعه القيم المهنية والإنسانية التي يحملها المعلم بين جنباته.
في الميدان التعليمي لا حديث هذه الأيام إلا عن برنامج حضوري التقني. هذه الأداة الحاكمة في تفاصيل حياة المعلم والمعلمة، تعمل فترات وتتوقف عن العمل أيام لكن العطاء يستمر والإخلاص يزداد.
حقًّا وصدقًا يظل هناك حضورٌ آخر أعمق من أي برنامج، وأصدق من أي شاشة. فعندما تعطّل برنامج “حضوري”، توقّفت الأجهزة عن رصد التزام المعلمين، لكن الميدان شهد شهادةً أوضح: معلم يؤدي رسالته بكل أمانة، حاضر بروحه قبل برنامجه.
مع كل تحول في الأنظمة، ومع كل تحديث تقني، يبقى المعلم شاهدًا على العصر، ومرآة للإنسانية، وحاملاً للرسالة التي لا تتوقف. فالأجيال التي ينشئها اليوم، والقيم التي يغرسها، هي التي تبني مستقبلاً مستدامًا، بينما البرامج والأنظمة تبقى أدوات مساعدة لا أكثر. وهكذا، يظل حضور المعلم الحقيقي هو الثابت الذي لا يهزه تغير الزمن، ولا تعطل التقنية، ولا تحولات الأنظمة.
قطعًا قد تتعطل الأنظمة التعليمية الرقمية، وتتوقف برامج الحضور والغياب، لكن التجربة أثبتت أن هذه الأعطال لا تعطل الرسالة. فالصفوف تبقى عامرة بالحياة، والمعلم حاضر بروحه قبل برنامجه، يترجم التعليم إلى أفعال حقيقية، وليس مجرد إشارات رقمية على شاشة. هنا يظهر الفرق بين التقنية كأداة، وبين الإنسان كقيمة مركزية في العملية التعليمية.
وفوق هذا لم يكن تعطل النظام عذرًا ، ولم يكن غياب التقنية حائلاً أمام الوفاء بالواجب. فالصفوف امتلأت بحضور المعلمين، والدروس مضت كما ينبغي، لتؤكد أن التعليم ليس مرهونًا بعمل برنامج، بل بصدق صاحب الرسالة. إن المعلم الذي حضر في موعده، ووقف أمام طلابه مخلصًا لرسالته، قد جسّد صورة الحضور الحقيقي التي لا تحتاج إلى أي إثبات إلكتروني.
هذه اللحظة تكشف بوضوح أن التقنية مجرد وسيلة، بينما الرسالة هي الجوهر. فالمعلم لا يقف أمام طلابه لأن نظامًا يطالبه بذلك، بل لأنه يؤمن أن التعليم مشروع إنساني قبل أن يكون وظيفة. وحين تتوقف البرمجيات عن العمل، يظل الضمير الحي هو النظام الأصدق، والرسالة التربوية هي التي تتكفل باستمرار العطاء.
كما أسلفت، ينبغي معرفة أنه مع التحولات التي تشهدها أنظمة وزارة التعليم وتتطور التقنيات الرقمية  فيها بشكل مستمر  وملحوظ ويصبح كل شيء تحت تأثير التحولات الإلكترونية يظل هناك عنصر ثابت لا تتغير أهميته.
المعلم هو الشاهد الأصدق على العصر، الذي ينقل المعرفة، ويغرس القيم، ويصنع الأجيال في عصر تتسارع فيه الأحداث وتضيع التفاصيل بين تحديثات الأنظمة وتعطل البرامج.
لذا يظل المعلم مرآة للتغيير ومرجعية للأجيال. فهو يواجه تحديات العصر من عجز الأنظمة، إلى التطورات المتلاحقة، بضمير حي وإخلاص، ليؤكد أن التعليم رسالة إنسانية قبل أن يكون وظيفة يتقاضى فيها أجرًا مخصوصًا عن فترة معلومة يحسب ساعاتها ويعد دقائقها ويُحصي ثوانيها برنامجًا إلكترونيًا.

2 / 2
حضور المعلم اليوم هو شهادة على قدرة الإنسان على تجاوز التحديات، وعلى استمرارية القيم المهنية والأخلاقية وسط زخم من المتغيرات.
قبل أن أختم
لقد أثبت هذا الموقف أن تعطل التقنية لا يعني تعطل الرسالة، إنا يكشف عن جوهرها الأصيل. فالمعلم الحاضر بروحه قبل برنامجه هو الشاهد الأصدق على أن التعليم ليس تسجيلاً في نظام، لكنه حضورٌ إنساني متجدد في قلوب طلابه. وهكذا، تظل رسالة التعليم أكبر من أي برنامج، وأبقى من أي عطل، كونها رسالة ضمير حي لا يعرف التوقف.
آخر القول:
إن الأنظمة تتغير والتقنيات تزيح بعضها بعضا، لكن المعلم والمعلمة يبقيان الشاهد الثابت على مسيرة الإنسانية في زمن التحولات الكبرى.

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى