كُتاب الرأي
تعزيز الوقوف في وجه خطاب الكراهية والإقصاء

تعزيز الوقوف في وجه خطاب الكراهية والإقصاء :
مسؤولية فردية وجماعية
قد يعتقد البعض أن الكراهية والحقد ونثر البغضاء بين الناس وما يصاحبها من أدوات الإقصاء والإزاحة وليدة الصدفة، وأنها تظهر في زمن دون آخر وتنشأ في مجتمعات بعينها، وتنمو في بلد مغاير عن بلدان الأرض. أبدًا هذا توقع غير صحيح ويخالف المنطق والعقل؛ فالكراهية شعور سلبي قائم على العداء يتسم بالنفور تجاه شخص ما أو مجموعة وغالبًا يرتبط برغبة الإيذاء أو الإقصاء أو التمييز ضد الطرف المكروه، هذا قطعًا له أسبابه من نواحي عديدة أهمها الصراع الشخصي بسبب تجربة شخصية مؤلمة، أو شعور سلبي تجاه الذات يؤدي إلى الإحباط والاكتئاب، أو كراهية جماعية تجاه جماعة دينية أو عرقية أو ثقافية أو فكرية، يسعى فيها الطرف الحاقد إلى تمزيق النسيج الاجتماعي وتغذية العنف، وعرقلة التنمية، والعمل على إضعاف الثقة والتعايش بين الناس.
مع تزايد التحديات الاجتماعية والثقافية والسياسية أصبحت خطابات الإقصاء والكراهية تشكّل خطرًا حقيقيًا وتهديدًا مباشرًا على السلم الأهلي والتماسك المجتمعي. تنتشر ـ غالبًاـ هذه الخطابات عبر وسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، وحتى في الخطاب السياسي والديني، مما يجعل من الضروري الوقوف أمامها بحزم، وتعزيز ثقافة الحوار والتسامح والتنوع.
اعلم رحمك الله أن خطاب الكراهية يقصد به : كل تعبير لفظي أو رمزي يحرّض على العنف أو الاحتقار أو الانتقاص من كرامة الإنسان، وأكثر ما يُستخدم لتبرير التمييز أو العنف أو حتى الإبادة؛ أما خطاب الإقصاء يعنى به: كل تعبير يتضمن تهميشًا أو استبعادًا لفرد أو مجموعة على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو المعتقد أو الخلفية الثقافية أو الاجتماعية، وله مخاطر شديدة وإفرازات ضارة على المدى البعيد أهمها:
1. تفكيك النسيج الاجتماعي: يؤدي خطاب الكراهية إلى زرع الفتنة والانقسام داخل المجتمعات، ويؤدي إلى فقدان الثقة بين مكوناتها.
2. تشجيع العنف والتطرف: يعتبر بوابة للتطرف الديني أو الأيديولوجي، إذ يُستخدم كوقود لتبرير الأعمال الإرهابية أو الإقصائية.
3. تراجع القيم الإنسانية: يضعف من قيم الرحمة والتعاطف والمساواة، ويشوه صورة المجتمعات المتحضّرة.
4. عزلة الفئات المستهدفة: يشعر الأفراد أو الجماعات المستهدفة بالتهميش والظلم، مما قد يؤدي إلى العزلة أو حتى الرغبة في الانتقام.
إنه وعلى الرغم من الصعوبات والتحديات إلا أنه من غير المستحيل الوقوف ضد هكذا شعور سلبي، ويمكننا تعزيز الوقوف والثبات أمام هذه الهجمة الشعورية المتسمة بالسلبية بثبات وقوة عن طريق:
1. تعزيز التربية على القيم: يجب أن تبدأ محاربة الكراهية من المدرسة أولاً ثم بناء شراكة قوية مع الأسرة في المنزل من خلال غرس قيم التسامح والاحترام وتقبّل الآخر.
2. سنّ التشريعات الرادعة: على المسؤولين في الجهات العليا تقع المسؤولية ويلزمهم تطوير قوانين تحد من الكراهية وتوقف الإقصاء والتهميش في أن تطور قوانين تجرّم التحريض على الكراهية، وتحاسب من يستخدم منصته الإعلامية أو الرقمية لنشر التفرقة.
3. دور الإعلام المسؤول: يتحمّل الإعلام دورًا كبيرًا في مواجهة هذه الظواهر، من خلال خطاب معتدل يحترم التعددية ويُظهر النماذج الإيجابية للتعايش.
4. مبادرات الحوار المجتمعي: يمكن للمجتمع المدني أن يطلق مبادرات لجمع المكونات المختلفة على طاولة حوار مفتوح، يساهم في تقويض الصور النمطية.
5. التصدي الرقمي: يجب ألا يبقى مستخدمو الإنترنت صامتين أمام المحتوى المسيء، إنما ينبغي عليهم التبليغ والمواجهة بنشر محتوى مضاد يدعو للسلام والتفاهم.
6. تمكين الفئات المستهدفة: منح الفئات المستهدفة من الإقصاء فرصًا متكافئة في العمل والتعليم والمشاركة المجتمعية، يقلّل من الإحساس بالظلم، ويعيد دمجها بإيجابية.
خاتمة القول
إن الوقوف في وجه خطاب الإقصاء والكراهية ليس ترفًا فكريًا، لكنه ضرورة أخلاقية واستراتيجية لضمان الأمن والاستقرار والتقدم. فالمجتمعات التي تكرّس التسامح وتجرّم الكراهية هي الأكثر قدرة على النهوض والبناء. والتاريخ يشهد على أن أعظم الحضارات قامت على التنوع، لا على الإقصاء. ويلزم الجميع معرفة أن التحريض على التهميش ليس مجرد رأي، غير أنه خطر يُهدد وحدة المجتمع وعدالته. ومواجهته مسؤولية الجميع بدءًا من : الفرد، الأسرة، المدرسة، الإعلام، والحكومة. وعلينا أن نتذكر أن العدالة لا تُطلب ، بيد أنها تُفرض من خلال العمل والتكاتف والوعي.
لقد أصبح الوقوف في وجه من يُحرّض على الكراهية والتهميش يتطلب وعيًا، وحزمًا، وخطة ذكية تجمع بين الأخلاق والقانون والمجتمع.
إليك أبرز الطرق والأساليب التي يمكن بها مواجهة هذا التحريض على الكراهية والإقصاء:
أولها وأعلاها شأنًا المواجهة الفكرية والثقافية ويتطلب ذلك نقاش الأفكار بالحجة ويتعين أن يكون الرد على التحريض والتهميش بعقلانية وموضوعية حتى يمكننا تفكيك خطابه وكشف تناقضاته ثم يتبعه نشر ثقافة الحقوق والعدالة ويتمثل في رفع مستوى الوعي لدى الناس بحقوق الإنسان وتدريبه على وسائل الاعتدال والمساواة، لتكون لديهم مناعة فكرية ضد خطاب التهميش ، بعد ذلك تأتي التوعية المجتمعية يتجسد دورها في تنظيم حملات توعوية عبر المدارس، والجامعات، والمنصات الإلكترونية هذا السلوك يمكنه تعزيز ثقافة قبول الآخر واحترام التنوع ،
وحتى لا أنسى هناك أمر يمكنه أيضًا تفكيك مثل هذه الأفكار الخطرة ألا وهو دعم الأصوات المعتدلة ويظهر في صور شتى : تمكين وتشجيع الأشخاص والمؤسسات التي تدعو للإنصاف والتكافؤ، لمواجهة صوت المحرضين ، والتبليغ والمحاسبة القانونية عندما يتجاوز خطاب التحريض الحدود، خصوصًا في وسائل التواصل، يجب التبليغ عنه لدى الجهات المختصة وإحالته للجهات القضائية، و استخدام وسائل الإعلام بشكل إيجابي، وتفنيد الشائعات وتصحيح مسارها والسعي لتسليط الضوء على قصص النجاح من الفئات المُهمشة؛ لإبراز دورهم في المجتمع ونفي الصورة النمطية عنهم.
هنا يمكن أن نعزز الوقوف في وجه هذا التيار الخطر من الأفكار التقدمية التي يسعى أصحابها إلى تفتيت النسيج الاجتماعي ، وزرع الكراهية من أجل تمرير مصالح ضيقة هدفها الإقصاء والتحريض لصالح صرف النظر عن قضايا أكثر أهمية يمكن للمجتمع أن ينهض عندما يتخلص منها، بالتأكيد التضامن في وجه خطاب الكراهية والتحريض يتطلب المواجهة وعدم الصمت؛
كون الصمت يعطي المحرض قوة وشعورًا بالحماس ؛ لذا يجب التحالف ضدهم وتعزيز جبهة المقاومة المجتمعية حتى يتم القضاء على أفكارهم المسمومة.