(تعزيز اللحمة الوطنية)

تعزيز اللحمة الوطنية
✍️ محمد سعد الربيعي
أحسنت فعلًا ما قامت به وزارة الشؤون الإسلامية من توحيد خطب يوم الجمعة الماضي الموافق 27/3، عندما رأت مناسبة أن تكون الخطب في مساجد المملكة عن نعمة الأمن وتوحيد الصف. وهي حقيقة أمنية غالية لكل مواطن سعودي غيور على دولته العظمى أن يسمع خطباء المساجد في المملكة يتناولون هذا الجانب المهم في حياتنا وحياة أجيالنا المقبلة في هذا الوطن الغالي من جانب، ومن الجانب الآخر أن يسمعها أبناؤنا في المساجد ليعرفوا أهمية الوطن الذي استُشهد في تأسيسه أجدادنا وحاربوا من أجله على صهوات الخيول وظهور الإبل.
وقد قامت هذه الدولة العظمى المترامية الأطراف بجهود أولئك الأبطال بقيادة الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – الذي وحّد الصفوف، وأسس دولة التوحيد، وبنى أمجاد دولة كبيرة قامت على سلامة العقيدة منذ الدولة السعودية الأولى والدولة السعودية الثانية. ثم وحّد – طيب الله ثراه – المملكة، وحمى حدودها، ويسّر قدوم المسلمين للحج وزيارة الأماكن المقدسة فيها، ولحقه أبناؤه البررة الذين ساروا على دربه، وبنوا حضارة مجيدة لأمة عظيمة.
نحن الآن نعيش في هذا العهد الزاخر بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، الذي وصلت فيه دولتنا لمراتب متقدمة، وأصبحت من دول العشرين الأقوى اقتصاديًا في العالم، ناهيك بما وصلت إليه سياسيًا حيث أصبحت وجهة العالم كله للأخذ بالرؤية والمشورة السعودية في مختلف القضايا الدولية.
إذن نعود لموضوع المقال، وهو حب الوطن والذود عنه. ومن يموت دفاعًا عنه فهو شهيد، وهذه مكرمة من الله عز وجل. وحب الوطن جُبلت عليه كل مخلوقات الله، ومنها الإنسان الذي يعيش على كوكب الأرض، ويتوزع في أركانها ووسطها. ومن هنا تنشأ محبة الأوطان؛ فالإنسان السوي، وكذلك المجتمع السوي، هو من يحب وطنه ويدافع عنه، ومن أجله يُقتل شهيدًا عند محاولة إيذائه. أما الاغتراب عن الوطن أو البعد عنه فهو نوع من المذلة والانكسار، وهذا ما يجده كل مغترب، وقد عشنا وعايشنا هذه اللحظات عندما نكون في الخارج، حيث نخشى من كل شيء، ونحسب لكل شيء حسابًا. وفي هذه الحالة يقال: “يا غريب خلك أديب”. والقرآن الكريم عبّر عن حب الأوطان والاغتراب، وقد وُجد حب الأوطان حتى في قلوب الأنبياء والرسل. وكان لنا في سيرة نبينا محمد – عليه أفضل الصلاة والتسليم – عبرة عندما أخرجه أهل مكة المكرمة منها إلى المدينة المنورة.
من لا يحب وطنه مشكوك في مشاعره وولائه لدولته. ونحن في المملكة العربية السعودية أصبحنا – بفضل الله – قبيلة واحدة، هي قبيلة السعودية، حيث أخوتنا فيها أخوة نسب، وهو نسب حب الوطن، وهو حب المملكة التي دعا لها سيدنا إبراهيم – عليه السلام – ولمّ شملها من مشارق ومغارب هذه الجزيرة العربية. الدولة المباركة، دولة المملكة العظمى، التي تعد مهبط الوحي، وبلاد الحرمين الشريفين، وفيها أحب البيوت إلى الله عز وجل. اختارها الله مكانًا أزليًا لكعبته الشريفة، ومكانًا لنزول القرآن الكريم. مملكتنا هي قبلة المسلمين، ومنها خرج نور الإسلام، وبُعث فيها خير المرسلين، وهي حاضنة الإسلام، وقلبه النابض. ولا يقبل أي مسلم أن تُنال المملكة بأي أذى أو إساءة.
الوطن خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، والمملكة هي ملاذنا. وحبها هو أول ما يأتي بعد الإسلام، وحبها من جمال الإيمان، وفقدان الأمن فيها يفقدنا الإيمان. وبالتالي يجب على أبنائنا وأجيالنا المقبلة أن يعضّوا على دولتنا بالنواجذ، ويحافظوا عليها وعلى كل شبر فيها، وأن يتعاهدوا ألّا يُقلب حجر في حدودها أو يُغيّر من مكانه.
من المهم أن تتوحد الجبهة الداخلية لشعب المملكة وأن تنبذ كل من ينتمي للطابور الخامس إن وُجد. نحن – ولله الحمد – غارقون في النعم، والمملكة هي ملاذنا بعد الله سبحانه وتعالى. فلنحافظ على نعمة هذا الوطن الذي ننتمي إليه، وليفهم كل من لديه إشكالية مع الوطن أن إنجازاته عظيمة. وعلينا أن ندرك حجم أوضاع دول العالم الأخرى وانعكاساتها على دولتنا. وليعلم الجميع أن لهذه الدولة حرمتها وقدسيتها. ولنتأمل ما يحدث في البلدان الأخرى التي فقدت الأمن وضاع فيها الأمل، فأدى ذلك إلى ضياع شعوبها. فإن ضاعت الأوطان فُقد الإسلام.
بقي أن أختم المقال بأن على شبابنا – ذخيرة وطننا الغالي – الذين ابتعثتهم المملكة وعلّمتهم وهيّأتهم لتسلّم المناصب الكبيرة في الشركات العملاقة والمتقدمة، أن يأخذوا بأيدي شباب المملكة، ويحتضنوهم، ويعلموهم كيف تستفيد الدولة منهم. ويحاول كل شاب، وكل متعلم، وكل مسؤول، وكل من يتسلم منصبًا كبيرًا أو صغيرًا في الدولة أن يكون عينًا ساهرة للوطن، وألّا يرضى بما يسيء له. وينبغي أن يتنبه كل مسؤول لما يحدث من مستجدات تكشف عمالة وخيانة بعض الجنسيات التي قد تتبوأ مناصب في شركات إقليمية أو دولية لدينا، وأن نكبح جماح ذلك ونمنعه، ليحل أبناؤنا مكانهم.
وفي إضافة أخرى، فإن الحس الأمني يجب أن يترافق مع كل مسؤول، سواء كان في الدولة أو في الشركات العاملة بالمملكة. وقد قال خليفة المسلمين عمر – رضي الله عنه –: “لست بالخب ولا الخب يخدعني”. وليعلم كل سعودي أن من وضع يده في يد الغريب، وركب الأجندات، فهو اليوم يبكي على أطلال بلاده، والعبرة في ذلك من مصارع الآخرين.
دولتنا عظيمة، والمحافظة عليها هي المحافظة على الإسلام وعلى الدين. وهي أمانة في عنق كل مواطن مخلص لدينه ووطنه وولاة أمره. فلنحافظ على هذا الوطن المبارك، ولا نعطي الفرصة فيه لكل آفاقٍ وخائن.
ودام عزك يا وطني الكبير، ودولتي العظمى.
📌 كاتب رأي