تطور المعايير الأخلاقية في ضوء التقاء الشعوب

إنّ تطور المعايير الأخلاقية ليس وليدًا للصدفة
فماكان منكورًا عند الأجداد أصبح مألوفًاعند الأحفاد
هذا المفهوم لم يتوقف عند نقطة اللاحراك، كونه -أي المفهوم- مربوط بتطور الأفراد حيث يترجم تطورهم إلى معارف، والمعارف يتم تحويلها إلى شعور ثم تتشكل الوسائل المساعدة، وإذا ما أردنا البحث عن ماهية الأخلاق يلزمنا الوقوف قليلاً عند المدلول الاجتماعي لها خاصة إذا ما عرفنا أن الأخلاق هي سلوك الإنسان في الحياة ولا يمكن أن تبقى ثابتة كما هي لا تتغير ولا تتبدل ، بل أنه في اعتقادنا لا يجوز التوقف عند نقطة اللاحراك لأن مجرد التوقف عن التطور يحيل فكر الإنسان إلى ما يشبه الآلة القديمة.
إن الناس في العصور الماضية كانت تعتمد على فلسفة معقدة إلى حد ما في ممارسة معايير الأخلاق بصورة قد تبدو صرفة أقول كان يمارسون المعايير الأخلاقية بصورة صرفة لأنهم كانوا واقعين تحت حكم المفهوم الأخلاقي، ولكن نتيجة للتطور المستمر على العقل البشري ومروره بالعديد من التجارب ومواجهته للتعقيدات الفلسفية في فهم الأخلاق أصبح الناس مع هذا التطور يمارسونه كعمل أخلاقي نظرًا لتطور المجتمعات والتقاء الشعوب بعضها ببعض وتشابكها من خلال العناصر الحضارية لكل شعب مما جعل الأخلاق تأخذ طابع المرونة بصورة أصيلة كونها تنتقل من واقع الغريزة الدارجة إلى واقع سلوكي يُكتسب بالتعلم والممارسة، عندها يتجاوب الحكم الأخلاقي فينتقل من نطاق الفرد إلى نطاق المجتمع .
يهمنا كثيرًا أن نعرف هذا التطور وكيف له أن ينقلنا إلى مراحل أعلى في فهم المعايير الأخلاقية فيأخذنا من حدود العرف إلى تطبيق القانون حتى يصل إلى النطاق الاجتماعي بمفهومه الواسع ، ليصبح نطاقًا قويًّا تحكمه الممارسات ويسوده القانون.
لو تتبعنا الحقبة الأولى التي تمتد إلى عصر ما قبل ظهور المدارس ذات المنهج التربوي الحديث لوجدنا أن التعارف بين الشعوب لم تكن فرصهُ متاحة لذلك كان التغير في المفاهيم الأخلاقية ، والتعاطي مع ثقافة المعيار الأخلاقي عند الأجداد كانت ثابتًة ولم يطرأ عليها تغير ، فوجدناها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالممارسة الحرفية لما توارثه الأجداد عمّن سبقهم من آبائهم، ونستطيع القول إنها التقاليد التي وقفت آنذاك في وجه تطور الأنظمة الأخلاقية التي أساسًا تستند إلى القوانين فنشأ عندنا أجيال تؤمن وتعتقد بصحة ما كان يمارسه الأجداد وليس لديها أدنى شك في عدم صحة ما كان يُمارس(أقول إنهم كانوا يعتقدون أن من سبقهم يسير بطريقة صحيحة) وهذا أمر يعود إلى عدم انفتاحهم في تلك الأزمنة على ثقافات الشعوب ومعرفة حضارات الأمم.
ومع تطور الأنظمة في المجتمعات الحديثة وبداية دخول عصر البعثات والانتقال من بلد إلى آخر ، وازدياد انفتاح الشعوب على بعضها البعض باتت تلك المعايير يُنظر لها كموروث لا يجب إهماله ولا يستغرب القيام به، بالتالي أضحت تلك المعايير تُمارس بصورة تقل قليلاً عند الأحفاد أي أنّ ما كان يفعله الأجداد بصورة قسرية أصبح الأحفاد يمارسونه بطوعية خالية من الإكراه حتى بدأ الكثير منهم في بداية القرن الحادي والعشرين في التحرر من بعض تلك القيود التي كانت مفروضة على من سبقهم أو بالأصح القيود التي فرضتها طبيعة مجتمعاتهم المغلقة التي لم تكن تقبل بغيرهم.
لنذكر بعضًا من تلك المعايير:
المعيار الأول/ الزواج من خارج المكوّن الرئيسي.
لقد كانت المفاهيم الأخلاقية لدى القدماء ترفض الزواج من خارج الأسرة بل أنهم كانوا يُجرّمون زواج الفتاة من غير ابن عمها أو ابن خالها ويفرضون قيودًا على من يتجرأ ويقوم بتزويج ابنته أو ابنه من خارج الأسرة.
ومع التطور والانفتاح وتعارف الشعوب أصبح هذا الأمر مألوفًا لدى غالبية الأسر بل أنه تطور للأبعد من ذلك فصارت الفتاة تستطيع الزواج من خارج الأسرة ثم تطور الأمر حتى باتت الأنظمة تكفل حقوقها عند الرغبة من الزواج بالأجنبي وكذلك العكس إذا أراد الرجل الارتباط بفتاة من خارج بلده
لم كل هذا؟
لأن ضمير الإنسان بشكل عام وضمير الفرد بشكل خاص صار يحكم على التصرف والسلوك كضابط أخلاقي وليس اتباع لتقاليد خاصة بشعب أو مُكَوِّن أو أسرة.
المعيار الثاني/بداهة وحدة الشعور الطبيعي تجاه الآخر
إن بداهة الشعور الطبيعي الذي يختزنه كل إنسان تجاه الآخرين، ليطلقه في كل مرة ينطلق من حدود معينة إلى حدود أبعد منها في التعبير كل هذا ييبن عن رقي فكره ورقي شعوره الإنساني، بالتالي بمقدوره تطوير المعيار الأخلاقي الذي يكتسبه وتفريغ مكنونه؛ ليحافظ في ذات الوقت على الحدّ الأدنى الذي يمكن أن تسمح به ثقافته وكذلك أفكاره لتجعل منه صورة العصر الذي يعيش فيه.
خلاصة القول
إنّ الغاية من الحياة هي السعادة واللذة واجتناب الآلام وهذه ملامح قصوى للإنسان في كل عصر وفي كل مجتمع. حيث تتجمع غايات الأفراد لتصبح غاية المجتمع ليعيش الناس في أمن وأمان واستقرار وسلام وتآلف وطمأنينة توحدهم المشاعر وتقربهم العواطف.
علي بن عيضة المالكي
كاتب راي
وقال تعالى (( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ))
مقال مثري👍شكرا لك ولقلمك الراقي أ. علي💐
ابتسام الجبرين