كُتاب الرأي

تزور ولا تُزار… كرمٌ من طرفٍ واحد!

د. سارة الأزوري

تزور ولا تُزار… كرمٌ من طرفٍ واحد!

هي لا تفوّت مناسبة، ولا تفلت مجلسًا. تنتقل من بيت إلى آخر بخفة خبيرة، وكأنها تقوم بجولة ميدانية لتفقّد أحوال الضيافة المحلية.
تحضر قبل الجميع، وتغادر بعد آخر من يغادر، تلتقط التفاصيل كما تلتقط الصور: نوع القهوة، ترتيب الأرائك، ماركة العطر، وطريقة التقديم… كل شيء يُسجّل، وربما يُناقش لاحقًا في جلسة ما بعد الزيارة.

لكن ما إن يُطرَق بابها، حتى تُصاب فجأة بعارض في الكرم أو أزمة في الاستعداد. لا تفتح، ولا تعتذر، بل تُتقن لعبة الأعذار الجاهزة: “كنا طالعين”، “البيت مقلوب”، “ما انتبهنا للرنة”… وهي تعرف – ونعرف – أن المشكلة ليست في الظروف، بل في المبدأ.

هي تزور، لكنها لا تُزار. تشارك في كل دعوة، لكنها لا تبادر بدعوة واحدة.
تعيش على هامش المجالس، وتتصدرها في الوقت نفسه، كأن العلاقة عندها حق مكتسب لا يقابله واجب.

أما أجمل ما فيها – إن جاز التعبير – فهو أنها آخر من يغادر، دائمًا. لا تعرف ما الخصوصية، ولا تقرأ الساعة، ولا تفهم التلميحات. تجلس بثقل، وتثرثر بخفة، وتودّع المجلس وكأنها ودّعت مطارًا دوليًّا.

والمؤلم أن هذه العينة ليست نادرة. كثيرات هنّ من يستهلكن طاقة الناس وكأنها مورد لا ينضب، ويُشرعنّ الزيارة تحت اسم “الودّ”، لكنهنّ يغلقن أبوابهن خلف حجج لا تُقال، وذرائع لا تُقنع أحدًا.

ولو أن واحدة منهن قالت: “والله الحال لا يسمح”، لكان الأمر أهون.
لكن أن تزور من تعلم مسبقًا أنها لا تستطيع ردّ الزيارة، ثم تتمنّع خجلاً أو كبرياءً، فذلك أشبه بمن يطلب العطاء وهو لا يجيد حتى الشكر.

الزيارة ليست غارة تفقد، ولا استعراض جاه.
هي مودة متبادلة، وذوق مشترك، ومن لا يجد في نفسه كرم الاستقبال، فالأجمل أن يُحسن الغياب.

كاتبة رأي

 

 

الدكتورة سارة الأزوري

أديبة وشاعرة وقاصة وكاتبة رأي سعودية

‫5 تعليقات

  1. فعلاً د.سارة
    في ناس تعتبر الزيارة ‘جولة تفتيش’، وتتحول من ضيفة إلى لجنة تقييم.
    ومع ذلك، لو كل ضيف جلس للساعة ١٢ وانتظر يُطرد بتلميحات، طبيعي نغلق الباب قبل لا يطرق أساساً!”
    و من الذوق أن تكون الزيارات متبادلة، ولكن أيضًا من الحكمة أن لا نحكم على النوايا من ظاهر التصرفات. أحيانًا ننسى أن الكرم ليس فقط في فتح الأبواب، بل أيضًا في حسن الظن.”

  2. لا فض فوك د.سارة كاتبتنا المميزة.
    هؤلاء الفئة من الناس تحزن لحالهم لأنهم يفتقدون صفة وقيمة خلقية اجتماعية جميلة وهي الكرم.
    أسأل الله أن يصلح حالهم.

  3. با الفعل د.ساره هذى حال شريحه من المجتمع من الجنسين في وقتنا الحالي وياليت تسلم من الانتقاد
    تحياتي لك

  4. ماشاء الله يادكتوره ساره على انتقاء الافكار الواقعة في ايامنا تزور لا تزار تسلمي على الموضوع الجميل منك للاعلى يارب في انتقاء الموضوعات الهادف والجميله التي تتصل بحياتنا اليوميه

  5. باالفعل دكتوره ساره ،تناولتي في الكتابه موضوع في غاية الأهميه ،أصبح هناك شريحه كبيره بيننا باالفعل تزور ولاتزار ،يستوقفني أمرهم كثيراً ،ولكن لاتعليق لي عليهم إلا أنني أحاول الإبتعاد ،ولكن كرمي المتأصل في شخصيتي ،ينسيني ،وأعاود عزيمتهم والتواصل معهم ،على أمل أن يشعرون ،ولكنهم يفاجئوني أن الأمل بهم مفقود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى