*تحريف الحقيقة لايصنع وعياً*

*تحريف الحقيقة لايصنع وعياً*
في عصرٍ تتسارع فيه المعلومة وتنتشر الصورة أسرع من البرق، أصبح تسجيل لا يتجاوز الدقيقة قادرًا على إشعال موجاتٍ من الجدل والاتهامات، وربما المقاطعات التي تفتقر لأدنى درجات التثبّت والعقلانية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك ما حدث مؤخرًا مع رجل الأعمال المعروف يزيد الراجحي، بعد أن نشر مقطع فيديو من طيارته الخاصة أثناء تحليقه في الجو، تحدّث فيه بعفوية عن منجزات الوطن، وما تحقق بفضل الله ثم بجهود القيادة الرشيدة، مشيرًا في حديثه إلى أن المسؤول موكل من ولي الأمر، ولا يجوز التجاوز عليه أو الإساءة إليه، مؤكدًا أن النقد يجب أن يكون بنّاءً ومسؤولًا، لا هدفه التجريح ولا إثارة الرأي العام.
إلا أن هذا الحديث الوطني الصادق، الذي صدر في سياقٍ من الحب والولاء والانتماء، لم يرق للبعض من ذوي الأغراض، فقاموا باقتطاع جزء من المقطع، وألصقوا عليه صورة وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أحمد الراجحي، في محاولة لتوجيه المعنى نحو تهمةٍ باطلة، مفادها أن يزيد الراجحي يدافع عن ابن عمه الوزير بعد ما أثير في وسائل التواصل حول تأخر صرف مستحقات الضمان الاجتماعي.
وبهذا التصرف، تم تحريف الكلام عن موضعه، وإخراجه من سياقه الحقيقي، وتحوّل مقطع وطني إلى مادة للتهكم والإساءة، مما أثار موجة من الجدل، ودعوات من بعض الفئات إلى مقاطعة العلامات التجارية والمشاريع التي يمتلكها يزيد الراجحي، في موقف لا يخلو من التسرّع والانفعال.
إن هذا السلوك يعكس خللًا في ثقافة التعامل مع المعلومة، حين يتحول النقد من وسيلة للإصلاح إلى سلاح للتشهير، وحين تُدار الحملات الرقمية بلا وعي أو تحقق. فليس من العدل أن يُدان شخصٌ لأنه عبّر عن رأي وطني في احترام ولاة الأمر والمسؤولين، أو لأن بينه وبين أحدهم صلة قرابة يُراد تضخيمها لتشويه النية والمقصد.
ومن المؤسف أن مثل هذه الحملات لا تتوقف عند حدود الشخص المستهدف، بل تمتد آثارها إلى العاملين والموظفين في تلك المشاريع، الذين يكدّون يوميًا ليعيلوا أسرهم ويؤمنوا احتياجاتهم. إن مقاطعةً عشوائية لا تفرق بين المالك والعامل، ولا بين الموقف الفردي والمصلحة العامة، ليست شكلًا من أشكال الوعي، بل ضربٌ من الظلم الاجتماعي الذي يدفع ثمنه الأبرياء.
وليس من المستبعد أن تكون خلف هذه الحملات جهاتٌ خارجية أو حسابات موجهة، تستغل أي حدث محلي لإشعال الفتنة وبث الشكوك في رموز المجتمع ونجاحاته. فقد أصبحت الحرب اليوم حربًا إعلامية ناعمة، لا تُدار بالسلاح، بل بمقاطع مجتزأة وصور مُركبة تُبث عبر المنصات لتزرع الشك وتضعف الثقة بين أبناء الوطن.
إن ما قاله يزيد الراجحي لا يخرج عن حدود الانتماء والاحترام للنظام والقيادة، وهو حديث يعكس ثقافةً وطنية قائمة على السمع والطاعة والولاء، وهي مبادئ رسّخها ديننا الإسلامي قبل أن تكون نهجًا وطنيًا.
ومن هنا، ينبغي أن نتعامل مع مثل هذه المواقف بقدرٍ عالٍ من الوعي والإنصاف، فلا نأخذ الأمور من زاوية واحدة، ولا نسمح لعاطفة الغضب أو للمنشورات المضللة أن تقودنا إلى أحكامٍ أو مواقف تضر بالوطن أكثر مما تنفعه.
إننا بحاجة إلى أن نتحلى جميعًا بـأخلاقيات التحقق قبل إعادة النشر، وأن ندرك أن كل كلمة أو مشاركة عبر وسائل التواصل قد تكون سهمًا يصيب بريئًا أو يزرع فتنة.
الوطن اليوم بحاجة إلى من يبني لا من يهدم، ومن يهدئ لا من يشعل، فالعقلانية والوعي هما خط الدفاع الأول ضد كل حملات التشويه والتحريض، ومن واجب كل مواطن غيور أن يكون شريكًا في حفظ الكلمة وصون المعنى، لأن الوطن أمانة، وصورته مسؤولية الجميع.
*بقلم / محمد عمر حسين المرحبي*