تحديد المواقع ( اللوكيشن )

منذ أن بدأت ثورة الإتصالات في العالم ، ونحن نستسلم لها ، ولما تقدمه من خدمات راقية للعالم بأجمع ، وهي كخدمة بشرية ترتقي من حين الى آخر ، ولن تتوقف حسب علماء هذه التقنية الذين يتسارعون في اختراع كل جديد منها ، بل ويتسابقون في جلب المكاسب التي يحصلون عليها من جراء تلك الإختراعات ، في هذه التقنية المهمة والخطيرة في نفس الوقت للبشرية.
لست من المطلعين أو من يملك أية خبرة في هذه الوسائل التي تقدمها الشركات العالمية في وسائل الاتصالات العامة، بل في الغالب أستعين بأبنائي لفك بعض شفرات جوالي الذي يصاحبني ليل نهار ، ولايمكن لي تركه إطلاقاً خارج صحبتي ! .
بالطبع لن أغوص في هذا العلم الكبير ، الذي يتسابق العالم في اكتشاف المزيد من اختراعاته في خدمة البشرية ، وكذلك دمارها! وخاصة مايتعلق بأمنه السيبراني ، ومراقباته ، وتغطية كافة تحركات من يستخدم هذه التقنية، في ظل العلم بها أو عدمه ! .
ولعل ماحدث مؤخراً في الحرب بين اسرائيل وحزب اللات كشف لنا من البعير أذنه فقط ! في هذا التطور المخيف في وسائل الإتصال ، عندما قامت شركة مؤجرة للموساد بتلغيم بياجر ، أشتريت لمصلحة عناصر الحزب هروباً من مراقبة جوالات تلك القيادات الحزبية النقالة ، لكي لاتستهدف من قبل اسرائيل ، في توقع من تلك القيادات بنجاتهم ، من القتل والإغتيال ، كمن سبقوهم من تلك القيادات الحزبية في لبنان ، وغيرهم من المستهدفين ! ولم يدركوا أنهم وقعوا في شر أعمالهم ، من اقتناء تلك البياجر بدلاً من الهواتف النقالة ، التي أعطيت في توقيت معين التفجر في جيوب وأيدي ، ومراقد ، كل تلك القيادات ، وقضت على الآف منهم ، بين قتيل وجريح ومفقوئي الأعين ، ومبتوري الأيدي ، والأصابع ، لمن سلم من الموت.
الحديث يطول عن الفوائد التي استهدفتها هذه الثورة في الاتصالات لخدمة البشرية ، ولكنها في الوقت نفسه أوجدت في الإتجاه المعاكس مثالب ، بل مصائب كبيرة للمجتمعات كافة أو البشرية ، وهو إختراق الخصوصية ، والتلصص على كل مستخدم لهذه التقنية ومتابعته ، ومعرفة كافة تفاصيل حياته ، لدرجة وجود شركات في السوق السوداء لهذه التقنية ، تؤجر خدماتها حتى فيما يتعلق بالوضع الإجتماعي لأفراد الأسرة ، وحياتهم الزوجية ، ومن يقابلون ، وكيف يتحدثون ووووووو الخ .
كما ذكرت الحديث طويل ، ولكنه ليس ذو شجون ! عن هذه التقنية وفوائدها ، وأضرارها ! لأنها كالسيف ذو الحدين ! وما أود الذهاب له في عجالة عن هذه التقنية ، وهو موضوع المقال ، والذي يعد كما يقال ، قطرة في بحر هذه الموجات المتلاطمة ، من القدرة الفائقة في وسائل الإتصال ، وتقنية المعلومات وفنياتها ! ، وهو تحديد الموقع أو (اللوكيشن) والذي يفيد كثيراً في الوصول للمكان المحدد ، لمن يرغب في ذلك ، من خلال استخدام هذه التقنية ، وأصبح متطلب لكل متصل ، ليصل للمكان ، أياً كان الهدف من ذلك الوصول ، وأصبح السواد الأعظم من الناس ، يطلبونه عند أي تواصل لك معهم ، بل أصبح ضرورة ملحة في تزويد كل شخص يصل لمكانك ، أو تريد الوصول لمكانه الآخر! وهو بالتالي قدم خدمات جليلة لاتقدر بثمن ، وتوفر الكثير من الجهد والمال ، ولكنها في الإتجاه الآخر ، جعلتنا كالعميان نسير ، وفق هذه الآلة التي تحدد طريقنا ، واتجاهات انحداراتها، وخروجها ، ودخولها للطرق السريعة وخلافها ، وأصبحنا بذلك لانعرف مدننا ، ولا شوارعنا ، وأصبحنا نقاد بهذه التقنية قوداً جباراً لايمكننا الانفلات منه ! .
في الماضي كنا نحفظ أرقام هواتفنا ، وهواتف أهلنا ، وأقاربنا ، وأصدقائنا ، بالطبع الثابت منها ، وكنا نعرف كيف نسير ، وأين نرغب في الذهاب ، ونعرف تفاصيل مدننا الصغيرة ، والكبيرة ، وكيف نتحرك فيها ومتى! ولكنه عندما قدمت علينا هذه التقنية بدايةً من البيجر ، وبعده الهاتف النقال ، أصبحنا لانستطيع التحرك ، دون هذه التقنية التي تصاحبنا حتى ونحن على أسرتنا ، وأثناء نومنا ، وهو ماأدى بالتالي لخلق اتكالية كبيرة ، لايمكن وصفها للجميع ، حيث لم يسلم منها لاصغير ولا كبير في الكرة الأرضية ، ناهيك عن الأضرار الصحية التي تسببها هذه التقنية ، وخاصة لصغار السن من أمراض ومشاكل صحية ، لاتعد ولاتحصى ، ليس هنالك من حلول لوقف هذا السيل الجارف لهذه التقنية ، والتطور المخيف والمتسارع في تقدمها ذو الجانبين ( السلبي ، والايجابي ) بالطبع للبشرية ، والإعتقاد السائد هو الاستسلام لهذه التقنية ، وتسليمها زمام أمور كل شخص ، وبالتالي عليه إكتفاء شر ما قد نستطيع اكتفائه ، بالرغم أن ذلك قد لايمثل سواء القليل من حذره من هذه الوسائل المصاحبة لنا في حياتنا اليومية .
أن علينا أن نحذر من الإنغماس في الدخول في وحل هذه التقنية ، وأن نحذر أيضاً ، عن البعد عن فتح مقاطعها الهكرية التي أفلست بمن لايعرف جانب هذه التقنية الأسود أو الأسواء ، وخاصة أمثالي الذي لايعرف تفاصيل هذه الثورة التقنية المخيفة ، وأن تبادر الأسر بشرح مثالب ومساوئ التقنية لأبنائهم ، وبناتهم ، والبعد عن كل مايمكن أن يتورطوا فيه ، من محادثات وتصوير مقاطع ، أو احتفالات لهم ، وخاصة البنات والنساء ، لكي لاتستخدم لاسمح الله ضدهم ، في تطور غير مستغرب من نقل تلك الصور والمساومة على نشرها ، بطرق قد تسيء لمستخدمي هذه التقنية ، وكذلك إبعاد هذه الوسائل عن الأطفال ، لكي لايصابوا بأمراض التوحد التي انتشرت مؤخراً في المجتمع السعودي ، نتيجة التقدم في استخدام هذه التقنية ، وإنفلاتها بين افراد الأسر ، التي ربما لاتعي اضرارها ، وعلى الجهات المختصة والصحية منها، التحذير من سلبيات استخدام هذه الوسائل ، وأن تكون هناك محاضرات ومناقشات ، وايجاد تخصصات في جامعاتنا ، لدراسة مثالب ومساوئ هذه التقنية ، كما هي تدرس هذا العلم المتقدم الخطير ، الذي يجب أن نحظى كدولة الوصول لكل تفاصيله وتقنياته ، والتركيز على ذلك ، حفاظاً على أمننا الوطني والقومي ، وهي ولله الحمد ما تعمل عليه دولتنا يحفظها الله،،،
محمد سعد الربيعي
كاتب رأي