كُتاب الرأي

تأملات في حجة رسول الله (صلى الله عليه وسلم )

تأملات في حجة رسول الله (صلى الله عليه وسلم )

الحديث  عن  رسول الله صلى الله عليه وسلم  حديثٌ عظيمٌ ،  عن العظمة والكمال والجمال والرقي الإنساني الفطري السليم،  وهو الحديث عن الإنسان الحقيقي السوي الكامل  الكمال البشري الذي ارتضاه  الله تعالى  ليكون شاهداً ومبشراً ونذيراً للبشرية  جميعاً من الصينيين والهنود والترك  والتركمان والعرب والعجم  ؛ وللقارات  التي يسكنها  الجن  والإنس في  آسيا  وإفريقيا وأوروبا  وأمريكا الجنوبية والشمالية وأستراليا وقارتي  المتجمد  الشمالية والجنوبية ، وكل  أطراف كوكب الأرض الجميل.
هذا  الرسول العظيم  صلى الله عليه وسلم  الذي زكاه  الله تعالى  فقال عن  خلقه : ( وإنك   لعلى  خلق  عظيم ) ، والخلق دثار  الدين  ، دثار  القيم  والمبادىء والعبادات والقربات ،  كل  ذلك  يظهر  في مظهر  الأخلاق والفضائل الحسنة الطيبة الجميلة  التي كانت  تتشرف برسول الله  صلى الله عليه وسلم.
وهو  صلى الله عليه وسلم   الأسوة والقدوة في كل  شيء ،  وفي كل شأن من  شؤون الحياة  ! وفي كل  العبادات والقربات والأخلاق والفضائل العليا !  هو  الصورة المثلى والنموذج  الأوحد  والقدوة المباركة في الحياة  كلها ؛  وطريق  السعادة في الدارين  هو  ما  خطه  بقدميه  الشريفتين  صلى الله عليه وسلم.
لذلك  فإن  صورة الرسول الأعظم والنبي  الأكرم  صلى الله عليه وسلم   لا تغيب  عن المسلم والمؤمن والمحسن الحق ؛ فهو مع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات في جميع العبادات والقربات والأخلاق الرفيعة العالية والفضائل الحسنة الطيبة!
ففي الصلوات الخمس  وسننها ونوافلها يقتدون برسول الله  صلى الله عليه وسلم   ، وفي الصدقات والزكوات  يقتدون  به  صلى  الله عليه وسلم،  وفي الصيام والقيام  لرمضان  وغيره  يصومون  كصيامه ، ويقومون  كقيامه ، وفي تلاوة القرآن الكريم يقرؤون بقراءته  لهم وتلاوته   عليهم وهكذا   سائر  الشعائر  والعبادات والقربات.
أماّ  شعيرة حج  بيت  الله الحرام   فقد  أذن الله تعالى   له بالحج في السنة العاشرة  للهجرة  الشريفة  ؛ ولذا  أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم   رسله إلى  الأمصار  حول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك  للقبائل  الضاربة   حولها  ولأهل  المدينة كلهم  يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  عازم على الحج  هذا  العام  ، فمن  رغب أن يقتدي  ويستن  برسول الله  صلى الله عليه وسلم فعليه  أن  يلحق به  في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم   وفي مسجده .
وأقبلت القبائل  تؤم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم  وتضرب  خيامها   قريبة  من  أطرافها   ؛ فها  هي قبيلة غفار  وأسلم  ومزينة وغيرها من القبائل المؤمنة  التي  لبت نداء  رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأحبت  أن تأتم  به  في حجه  هذا  العام !
ويصلي  بهم  رسول الله صلى الله عليه وسلم  صلاة  الظهر والعصر والمغرب والعشاء  والمسجد   النبوي   الشريف   يكاد  يغص  بالمصلين الأطهار الأبرار  من الصحابة الكرام   ،  ولما   رأى ذلك  وقف صلى الله عليه وسلم  معلما وموجهاً ومرشداً  لهم  فقال : (   يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكَلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ).
وعلّم  الرسول صلى الله عليه وسلم  الصحابة والصحابيات الأطهار الأبرار  رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم  مواقيت الحج والدخول  على مكة وكذلك  علمهم  صلى الله عليه وسلم أنساك الحج الثلاثة؛ الإفراد   والقران  والتمتع  ،  وأرشدهم  وحثهم  ونصحهم  ودعا   لهم جميعاً وأخبرهم أن  يأخذوا  منه مناسكهم .
عندما  أزداد   الزحام  في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم  أذن لهم بالتحرك  إلى ذي الحليفة  ميقات  أهل المدينة  ومن حولها ؛ فخرج الناس  ما  بين  راكب  وماش  ، وما  بين  الرجال والنساء والأطفال  حتى بلغوا ذي الحليفة ؛ فصلى   بهم الرسول صلى الله عليه وسلم  المغرب والعشاء والفجر .
وولدت  زوج أبي بكر  رضي الله  تعالى عنه أسماء بنت عميس ولدها وأسماه ( محمداً ) وأتى   به إلى  رسول الله صلى الله عليه وسلم  في صلاة  الفجر  فدعا   له  بالخير  ، واستفتى  أبوبكر الصديق  رضي الله تعالى عنه   عن  شأن زوجه  أسماء  بنت عميس رضي الله تعالى عنها .
وأغتسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وطيبته أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وعن  أبيها وأمها  ولباس الإحرام وركب ناقته وشرع في التلبية  بقوله  صلى الله عليه وسلم  :  (  لبيك اللهم لبيك  ؛  لبيك لا  شريك لك لبيك  ، إن الحمد  والنعمة  لك والملك  لا  شريك  لك ) . والصحابة والصحابيات  يلبون  خلفه صلى الله عليه وسلم.
وأنطلق هذا الركب  المهيب  والجمع العظيم ؛ حملة الحج الكبرى للعام العاشر  من الهجرة الشريفة  يقودها  الرسول الأعظم والنبي الأكرم سيد ولد  آدم  عليه السلام   ولا  فخر   ولا  بطر  ولا   رياء  ولا  سمعة .
القرآن الكريم  كلام الله تعالى يتنزل  على الرسول الأعظم والنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم  السماء العالية الصافية الجميلة  راضية عن هؤلاء الأطهار  المخلصين الأخيار  ؛ في ذلك الركب العظيم المبارك أهل الفردوس الأعلى من الجنة  أبوبكر  الصديق رضي الله عنه وعمر  بن الخطاب رضي الله تعالى عنه  وعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وعلي بن أبي طالب  رضي الله تعالى عنه  وبقية العشرة المبشرين بالجنة وأصحاب غزوة بدر وأحد والخندق وغزوة تبوك وفتح مكة وأصحاب بيعة الرضوان  والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
وتدرك  قبيلة  محرمة تريد صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم  في الطريق  فيسألهم صلى الله عليه وسلم  : من أنتم ؟!  فقال  كبيرهم وعظيمهم  : نحن  المسلمون !  لكن  من أنت ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم   لهم جميعاً: أنا  رسول الله  ! فقامت امرأة  منهم  ورفعت صبياً لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  ، وقالت : يا  رسول الله  لهذا الصبي حج ؟!  فقال : نعم  ولك أجره !
وأقبل الموكب  على العظيم بقيادة الرسول الأعظم والنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم  فدخلوا  مكة ؛ فطافوا بالبيت سبعاً ؛ وصعدوا  إلى جبل الصفا  والمروة  فسعوا بينهما  سبعاً ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لمن  يسق هدياً  :  (  اجعلوا  حجكم   عمرة  ).
فلما  كان يوم الثامن من ذي الحجة  يوم التروية  أغتسل وهو محرم وأقبل مع الصحابة والصحابيات إلى مشعر  منى ؛ فصلى بالناس الظهر والعصر والمغرب والعشاء  والفجر  ثم أمر بالتحرك إلى مشعر  عرفة .
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم  في موكبه  العظيم إلى مشعر عرفة في ساعة الظهر  فأمر  الناس بالهدوء والسكينة والإنصات وخطبهم  تلك الخطبة العظيمة والشهيرة ؛ فأرشدهم فيها ، وذكّرهم  ، وحثهم ، وامرهم ونهاهم وأخبرهم  ؛  ثم أذّن  مؤذنه بلال بن رباح  رضي الله تعالى عنه للصلاة ثم أقام لصلاة الظهر والعصر  فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  الظهر والعصر  جمعاً وقصراً ثم صعد على ناقته وأقبل على جبل الرحمة مشعر  عرفة ! فمازال  هناك  يدعو الله ويذكره حتى أوشكت الشمس  على المغيب  ونزل عليه جبريل عليه السلام   بقول  الله  تعالى  :  (  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3]
فأمر  رسول الله صلى الله عليه وسلم  الناس بالدفع إلى مزدفة وحثهم   على السكينة السكينة.
أذّن مؤذنه بلال بن رباح رضي الله  تعالى  عنه  للصلاة  فصلى  بهم المغرب والعشاء  ثم صلى  بهم الفجر في مشعر  المزدلفة  !  وأذن لهم بالتحرك إلى منى لرمي جمرة العقبة  في يوم  العيد .
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم  على مشعر  منى  فرمى جمرة العقبة ونحر  هديه وأمر  الحلاق  فحلق شعره ثم حل إحرامه وحل الصحابة والصحابيات الأطهار الأبرار رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
ثم توجه إلى البيت الحرام  الكعبة المشرفة  فطاف بالبيت سبعاً ثم عاد إلى مشعر  منى فمكث  بها  ثلاثة أيام  يرمي الجمار الثلاثة بعد الزوال ويعود إلى منى  ، ويستقبل الناس ويسمع منهم ويهدي ويرشد ويدعو  لهم ويرحمهم ويرأف بهم .
في نهاية حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم  طاف بالبيت سبعاً وأمر الناس  بالتوجه إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المصلح والمستشار الأسري

د. سالم بن رزيق بن عوض

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى