كُتاب الرأي

بالفلتر تكون أجمل!

بالفلتر تكون أجمل!

لو جاز لنا أن نصف العصر الذي نعيشه في وقتنا الحالي في كلمة واحدة لكانت “الصورة” أهم توصيف له بامتياز، نعم إنه عصر الصورة وسطوتها، وكما يقول المثل الصيني القديم: “الصورة بألف كلمة”؛ لقدرتها على نقل الأحداث والمشاعر والأحاسيس والحقيقة كما هي، ولكن ماذا لو نقلت لنا هذه الصور ملامح وجوهنا وأجسادنا بمعايير جمالية مثالية؟ كيف ذلك؟ فقط الأمر يحتاج إلى جهاز هاتف نقال أو لوح إلكتروني، والضغط على فلاتر التجميل أثناء أخذ صور السيلفي لأنفسنا، فلسنا بحاجة إلى مصور ليعدل لنا زوايا وطرق التصوير، بل يمكننا التعديل وفلترة صورنا بتصفية الوجه وإخفاء عيوبه كإضافة رموش طويلة وعدسات زرقاء أو خضراء، أو حتى نحت جسمنا ليبدو أكثر تناسقًا وأنوثة بالنسبة إلى المرأة، وممشوقًا بقوام رياضي بالنسبة إلى الرجل، وهكذا فإن استخدام تطبيقات الفلتر المتاحة على هواتفنا وعلى منصات التواصل الاجتماعي بات يرافق أي حدث أو مناسبة أو حالة شعورية خاصة بنا نود تصويرها والاحتفاظ بها أو مشاركتها مع الآخر.
في أحد المهرجانات الفنية العربية الضخمة التي شهدناها الأيام الماضية، رفضت إحدى الفنَّانات أخذ صورة سيلفي مع أحد الحاضرين من الجماهير بسبب استخدامه الفلتر أثناء التَّصوير، واشترطت عليه أخذ الصورة معه دون فلتر، حسنًا، كان سيبدو هذا الأمر مقنعًا ووجيهًا جدًّا لو أن هذه الفنانة تبنت هذا الموقف في مختلف جلسات التصوير، سواء أثناء تصوير أعمالها الدرامية أو من خلال إطلالاتها بين الحين والآخر على المنصات الاجتماعية، ثم إنها لم تكن بحاجة إلى الفلتر في هذا الحفل الفخم فيكفيها المكياج وعمليات التجميل التي تنوب عن الفلتر في هذه الحالة، وكُنَّا سنعُد الموضوع من باب تقبُّل النفس والتصالح مع الذات ومع الشكل الخارجي، إي نعم قد تكون الفلاتر مناسبة في بعض الأوقات كالمرح واللهو والمشاركة مع الأصدقاء لكنها لن تكون بديلًا لوجوهنا وأجسادنا الحقيقية.
فلنتوقف عن مقارنة أنفسنا بالآخرين أو محاولة إرضائهم على حساب صحتنا الجسدية والنفسية، فاستشعار الجمال يكون داخليًّا نابعًا من طيبة أنفسنا وصفاء سريرتنا وسماحتنا مع الناس، وإن كان لا بد من فلتر، فلنفلترْ قلوبنا من الحقد والغش ولنُصفي سلوكاتنا من التصرفات غير اللائقة، باختصار لنفلتر أنفسنا من كل شائبة تتنافى مع قيمنا وأخلاقنا السَّمحة، وتعكر صفو حياتنا.

عبدالعليم مبارك 

عبدالعليم مبارك

أديب وكاتب رأي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى