كُتاب الرأي

انتهازية الدرونجو وصدق الميركات

 

انتهازية الدرونجو وصدق الميركات

بعد تجارب السنين ، أصبح الكثير مقتنعا تمامًا أنّ العبارة المستهلكة التي يتداولها الناس فيما بينهم بشكل مفرط وأحيان مبالغ فيه، بل أنهم يتخذونها ذريعة للوصول إلى أهدافهم إنما هي عبارة جوفاء، تخفي داخلها شوائب عديدة ونوايا مزيفة وانتهازية قائمة على تحقق عناصر النفعية الذاتية: (( بيننا زاد وملح، وعشرة عُمْر ، وتربطنا عشرة السنين )) إنها مستوحاة من المصطلح البرجماتي الحديث الغاية تبرر الوسيلة أو الموثوقية واليقينية الجازمة القائمة على إغلاق باب الاجتهاد وإغلاق باب التناحر ، ولكن بشكل شعبوي الهدف منه دغدغة المشاعر ليس إلا!! كما أنها حيلة من الحيل البائسة لا تلبث – كثيرًا – حتى ينكشف اللثام عن وجهها البشع، فلا قلب لصاحبها ولا ضمير ، ولا ثقة.
سأروي لكم قصة طائر الدرونجو الخبيث وحيوان الميركات اللطيف، قصة تحكي واقعنا اليوم، قصة تروي كيفية الخداع والمراوغة والالتفاف، والدوران الذي يتبعه البعض في هذا الزمن للوصول إلى غايته ، عجيبة هي القصة رغم أنها بين مخلوقين مختلفين في الصفات لكنها توضح لنا مدى عمق الألم الذي يعاني منه الأخيار، بسبب ما يصنعه فيهم الأشرار.
لقد أخضع علماء الحيوان والطبيعة بشكل عام هذا الطائر لتجارب عديدة حتى يكتشفوا مدى الصفات الذميمة التي تختبئ تحت جناحيه.
هذا المخلوق يستطيع تقليد الأصوات بصورة عجيبة لدرجة أنه يوهم الآخرين من المخلوقات أنه صديق لها ويحذرها من غدر الخصوم.
قصته مع حيوان الميركات تصور واقع نعايشه يوميًا مع أمثال ذلك الطائر عديم الاحساس والقيم، فما أن يبدأ صديق البيئة في افتراس الزواحف المؤذية ليحقق التوازن البيئي إلا ويبدأ صديقه الوهمي تسليط مجهر عينه الفارغة على تلك الوجبة التي سعى الميركات لاصطيادها وتعب في الإمساك بها حيث يصدر أصواتًا توحي بالخطر القادم بأن هناك خصوم محلقة في الجو تتجهز للإنقضاض، أو ضواري على الأرض تتأهب للافتراس، بالطبع حيوان الميركات ذكيًّ للغاية ولكنه وديع ولطيف حياته قائمة على الصدق والكفاح ، نجده يعيش في مجموعات تحت الأرض ويقسّم الأعمال بين أفراد المجموعة منها من يصطاد ومنها من يراقب المكان وما أن يسمع صوت صديقه المزعوم يحذره من الخطر حتى يهرول للاختباء تاركًا غنيمته وراءه، فإذا اطمأن الغادر إلى خلو المكان أسرع إلى غنيمة غيره ليطير بها بعيدًا فيأكلها ويغنم بها على نحو سهل من غير مجهود أو تعبٍ منه.
هذا الخداع وتلك المراوغة تستمر بين السرقاط والطائر الانتهازي فيصدق مرتين ويكذب مرة حتى يبعد عن نفسه الشبهة وينفي عنها ارتياب صديقه الصدوق، لكن مهما عمل واجتهد في مكره ودهائه ، وتحايل على صديقه وخادعه فإن زيفه يتكشف بعد فترة ثم ما أن ينكشف على حقيقته إلا وينتقل لمكان آخر يبحث عن قطيع آخر من السرقاط ليسرق ما ظفر به أو تعب في شيء حتى حاز عليه.
الواقع نحن نعيش في مجتمع لايخلو من أمثال تلك الكائنات، تعيش بيننا وتتغذى على جهد الآخرين، بل لو أسعفهم الوقت وسمح لهم النظام لما بقي على وجه الأرض غيرهم.
إنّ سياسة الانتهازية التي يتبعها البعض والممارسة الواعية لما يفعلونه بغرض الاستفادة من الظروف والاحتلال السريع للفراغ هي سياسة عقيمة لا جدوى منها ولا فائدة لأنها تنحصر عند النفعية الشخصية ولا تتجاوزها، بل أن أصحاب هذه المصلحة سوف يشكلون عبئًا ثقيلاً على المبادئ والقيم والاخلاقيات.
في كثير من الأحايين تعتبر الانتهازية أو التسلقية سلوك غير مرغوب وغير حضاري، سلوك غير مهذب يهاجم القيم ويعتلي فوق المبادئ ويخترق المثُل كالفايروسات، بل أنه يفعل أنكى من ذلك حيث يعتبر كالميكروبات المعدية التي تقضي على أجهزة الجسم ووظائفه المناعية.
لذا علينا التنبه لمثل هؤلاء ورصدهم ومعرفة التعامل مع صفات الدرونجو التي تعيش في داخلهم على نحو يحافظ على هويتنا ويؤكد القيم التي نشأنا عليها وعدم ترك مساحة لهم للعبث والتلاعب بالثوابت والقواعد وأنصح باتباع الآتي حتى يستطيع الإنسان الخروج من هكذا مأزق لو قدر له ووقف أمامه وجهًا لوجه.
1/عليك تحديد التوقعات النظرية من الدوافع التي تظهر لك حين تواجه مثل هذه النوعية من الناس والتعامل بذكاء عالٍ مع دوافعهم ومعرفة أنها لا تتفق مع دوافعك وقيمك بل هي قائمة على مصالحهم الشخصية.
2/فكّر دومًا في الصورة الأكبر وتتمثل في المحافظة على قيمك الأعلى، من أجل تحقيق التوزان في علاقاتك وعدم الانزلاق في مواجهات فردية مع أصحاب السلوك الانتهازي.
3/زيادة التعلم والنمو المعرفي وتذكير النفس بالإنجازات وقتئذٍ لن يتمكن أولئك من تنفيذ مخططاتهم
4/ افهم حدود أولوياتك واستخدمها كفرص لتحقيق النتائج واكتشاف الذات حتى يمكنك تغيير بوصلة التفكير عندهم والدفع بأفكارهم نحو التوقف أو الحد من سلوكياتهم غير المرغوبة.
5/كن يقظًا لجميع التحركات وتأملها بعناية شديدة هذا يبقيك على استعداد لمواجهة إمكانية التعرض لك بشكل كامل واستغلالك من قبلهم لتحقيق مكاسب شخصية.
6/ اخلق مساحة واسعة للتطوير والتغيير بما يحافظ لك على قيم التسامح بالتالي سوف يولد عندك مناعة كافية ويعطيهم انطباع أن شخصيتك ليست مستباحة.
انتهى

علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

‫4 تعليقات

  1. مذهل وفطين ومتمكن👏👏👏 وسبق وقلتها لك أنت تكتب بثقة مفرطة في فكرك وتعرف كيف تصف وتجسد الفكرة لاأحد يستطيع مجاراتك في هذا التمكن
    👌مبدع يا أستاذ/علي ورائد الحرف يليق بك👌

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى