الوطن .. حين يتحوّل التراب إلى قلب

د.سارة الأزوري
الوطن .. حين يتحوّل التراب إلى قلب
الوطن ليس خارطة ترسمها المسافات، ولا حدودًا تُقرّرها الوثائق..
الوطن هو ما ينهض فيك كلما خفَت صوتك، وما يربّت على كتفك حين تجهدك الأيام.
فيه أول صرخة، وأول خوف، وأول دفء حقيقي.
وأول أرض احتضنت خطاك المرتبكة، وأنت تتعلّم كيف تزن العالم بقدميك الصغيرتين.
كل ظل مررت به وأنت تبحث عن سكينة عابرة من حرّ الأيام، كان يمدك بجزء من الوطن.
كل رائحة خبز في الصباح، كل نافذة فتحتها على ضوء جديد، كل وجه صافحك دون حساب…
هذه ليست تفاصيل عابرة، بل أجزاء حيّة من وطنٍ لم يكن يومًا مادة، بل ذاكرة.
الوطن لا ينبني من ترابٍ وصخر، بل من ضمائر تعرف الوفاء.
هو ما يبنيه الصدق حين يصمت الجميع، وما ترفعه النوايا النظيفة حين تضعف الشعارات.
لا يحتاج إلى مخّ لصّ، بل إلى عقلٍ وقلبٍ مخلص.
ما ينهض بالأوطان ليس الذكاء المراوغ، بل الصدق حين يتحرّك في اليد، ويظهر في الفعل، ويثبت في الموقف.
حين تتعدد الأسماء، وتتنوّع الأشكال، وتختلف العادات، يبقى الأصل واحدًا.
ما دام اللقاء يُولَد من الرغبة في الجمع، فإن التنوّع يتحوّل إلى قوّة، والاختلاف يصبح مسارًا نحو اتساع التجربة.
ما يجمع الناس ليس تطابقهم، بل قدرتهم على أن يلتقوا دون أن يُلغوا بعضهم.
الذي يخلص في عمله، يمنح وطنه أكثر من ألف قول.
والذي يحفظ وجوه من حوله، يرفع من قيمة الأرض التي جمعتهم.
الوطن يسمو حين يصمت الادّعاء، ويتكلم الفعل.
كل إنجاز، وإن بدا صغيرًا، يرفع السقف أكثر.
وكل يدٍ تعمل، تُضاف إلى جدران الثبات.
الريح تعصف كلما اشتد البناء، لكنها لا تهزّ من ثبت أساسه.
ومن استصغرنا، أو نظر إلى خطونا بشيء من التهكّم، فنحن لا نردّ عليه بالكلام، بل نواصل ما بدأناه بالعمل.
اخفض صوتك… نحن مشغولون بإنجازاتنا. لقد سبقناك… فالحق بنا، إن استطعت.
كاتبة رأي