كُتاب الرأي

الهموم المنتشرة

بقلم/ د. شادي الكفارنة.
اشتدت أوزار الحرب على غزة ، وقطعت أوصالنا ودمرت أحلامنا وأبكمت أفواهنا وأطرشت أسماعنا وأعمت عيوننا، وجعلت الأحزان تقتحم نفوسنا وتسكن فؤادنا وتزيد وتثقل أحمالنا، وفي كل وقت يمر علينا نتنقل من هم إلى هم ، ونرى في كل مرة الموت متلبدًا في كل زاوية صغيرة، منتظرًا اللحظة المناسبة لنزع الأنفس من أجسادنا ، لنسمع بكاء الحزانى ونواح المقهورين و أنين المصابين وصراخ الجوعى وصوت المكلومين ، وحزنًا واسع المدى منتشرًا في كل الأماكن ممزوجًا بمعاناة الثكلى، والأيتام والأرامل التائهين والأحياء البائسين الضائعين.
أينما كنت… ترى همومًا جديدة متزايدة لكن حينما تقارن همك بهموم الناس، تشعر بأنك بلا هم أو غم وتجبر نفسك لتأخذ نفسًا عميقًا تُدخل فيه الأكسجين على رئتيك حتى تشعر بالراحة الداخلية وتسكت همومك قائلًا: تهون علينا همومنا من بشاعة هموم الناس، فمن فقد عزيزًا في الحرب أهون عليه من فقدان كل الأعزاء بالكامل، و إنهاء أثرهم ومحوهم من السجلات المدنيّة الرسميّة، ومن تاريخ الحياة الإنسانية، كأنهم لم يولدوا على هذه الأرض، ولم يعيشوا فوق سطحها، أو حتى تحت سمائها، وكأنهم لم يكونوا يومًا على كوكبها أبدًا.
لقد أصبحت همومنا منتشرة في كل الأماكن، مترامية الأطراف في كل المساكن، مبعثرة في كل الأراضي والمحافل ، منتشرة في الشوارع ومراكز الإيواء والمنازل ، همومٌ يحملها الناس بكل أشكالها وألوانها وأنت مستيقظ ونائم، وتشاهدها أمامك حاضرة على شكل لوحة فنية مرسومة بريشة المعاناة والضجر والسخط والسأم في متحف الهموم العالمية ، هموم منتشرة ليست في الأرض فقط وإنما في السماء أيضًا تجدها ملآى بالهموم القاتلة محملة بالموت في الصواريخ التي تنزل علينا ، وكثافة القصف والطائرات الموجودة فوق روؤسنا ، هموم مخططة التجهيز مصنعة الأدوات مركبة الوسائل مفتعلة الأعمال، تتراكم بأشكالها وتتزاحم بأنواعها وتتثاقل بأحجامها؛ لنكون أقزامًا في أنفسنا ، تجمعنا بيئة الحرب التي كنا فيها أصحاب هم واحد ، مهمومي الخواطر ،مأزومي المواقف ، مهزومي الدوافع ؛لذا علينا أن نستيقظ بفكرنا ونستعين بعزيمتنا، ونقوي من نفسيتنا ونعزز من إرادتنا وندعم غيرنا ، ونقرر الإنجاز ولو بشيء بسيط وفق قدراتنا لنبني مستقبلنا.

كاتب صحفي و باحث فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى