كُتاب الرأي

الهروب من الزمن

بقلم/ د. شادي الكفارنة
الهروب من الزمن

لكل بقعة جغرافية على كوكب الأرض زمنها الفلكي حسب دوران الأرض، وإننا نعيش في غزة هاربين من الزمن الفلكي خوفًا من الموت والمعاناة اليومية، كنا وما زلنا نحسب الزمن بعواطفنا المضطربة ومشاعرنا المتقلبة وإحساسنا المتوتر من هول الإبادة الجماعية، ونحاول الهروب من عداد الزمن لنتجنب التطهير العرقي الذي يصيبنا كلما تقدم، حتى الزمن الاجتماعي ظلمنا في علاقاتنا فقطع أوصالنا وجارَ علينا، ووضعنا في محرقة كاملة نعيشها في غزة تنهش أجسادنا وتدفنها، وتحطم نفسياتنا وتشل تفكيرنا، وكلما حاولنا الهروب باءت المحاولة بالفشل، لم نستطع الهروب من عداد زمن مليء بالموت المستمر والقهر المتواجد.

مِنْ ماذا يهرب أهل غزة؟! وهل استطاعوا؟

لم يستطع أهل غزة الهروب بأجسادهم المنهكة، وأشكالهم التي تغيرت، ووجوههم المليئة بغبار الركام، وإنما استطعنا أن نهرب بوجداننا من زمن غزة، هربنا بعقولنا التي تكلست من الخوف، وفكرنا الذي تجمد من الجهل، هربنا بنفسياتنا المحبطة، وقلوبنا النازفة، هربنا دون أجسادنا، وتركناها تُقصف دون رحمة، وتُقطّع بلا هوادة، وتُؤكل من الكلاب الضالة، والطيور الجارحة، والقطط الجوعانة، تركناها لحر حرارة الشمس الحارقة، وبرد الشتاء القارص، تركناها في الخيام جوعي وعطشى، تركناها للمأساة الأبدية حتى أصبحت غزة صورة قاتمة السواد، العودة إلى مكمن الجسد المشبعة بالروح الهاربة منه فترة المحرقة

وبعد أنْ أدركنا الحقيقية تبين أننا لا يمكننا الهروب من عداد الزمن؛ لأن الإنسان زمن كلما تقدم زمنه قرب موته، لكن في واقعنا الغزي عجزنا عن الهروب من الزمن، وسلمنا لقانون الموت لاجسادنا، فيأيها الزمن عدْ علينا بالحبّ والحنان،وحققْ لنا الأمن والسلام.

كاتب رأي فلسطيني

 

 

الدكتور/ شادي الكفارنة

أكاديمي وكاتب رأي فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى