كُتاب الرأي

النظرة الكمالية للحياة

 

 

النظرة الكمالية للحياة

بطبيعة الإنسان في مراحله المختلفة والمتباينة في هذه الحياة الدنيا ، يبحث فيها عن الأفضل والأحسن والأجود والأقدر والأعلى والأرقى والأغلى ؛ هكذا بطبيعته يغامر ويسافر ويعمل ويجتهد ويجاهد ويكدح ويضحي ويبذل أحياناً الغالي والنفيس في سبيل الحصول على أهدافه ويشبع احتياجاته وبعضاً من رغباته !.
وقد يحصل على تلك الاحتياجات الضرورية ، ويحقق تلك الرغبات ، ويصعد ذلك الصعود الذي كان يحلم به ، ويجتهد ويجاهد حتى يصل إليه ! ويعيش في ذلك المستوى الذي بذل وسعى وأعطى من أجل الوصول إليه والظفر به !
تلك الصور والمشاهد للحياة التي تعطيها لكل مجتهد ولكل عامل صادق فيها ؛ ليست عادة الصور النهائية التي يحصل عليها في كل محاولة ، وفي كل عمل ، وفي كل اجتهاد ، فربما بذل المرء أكثر الأسباب وسعى السعي الحثيث الذي يراه يوصله إلى النتائج الطيبة الجميلة ؛ ولكنه رغم كل شيء لم يحصل على شيء !
وربما بذل الإنسان جميع أو أكثر الأسباب التي يراها هو الطريق إلى النجاح أو السعادة أو المكانة أو المنزلة ! وهذا لا يعني الوصول إلي أهدافه ومقاصده، فهناك فوق كل شيء فوق الأسباب جميعاً ! هناك الله تعالى ، هو الذي يرى ويسمع ويوفق ويهدي ويعين ويسدد ويبارك ويمنح ويعطي ويهدي ويضل ، وينصر ويخذل ، ويحيي ويميت .
والنظرة الكمالية للحياة هي : أن الإنسان يظن ويعتقد أن ما لديه من الطاقات والقدرات والملكات والمواهب الجميلة سوف تجعله الأول في كل شيء ! والناجح في كل شيء ! والمميز في كل عمل يقوم به ! وهو العظيم كل شؤون ومجالات الحياة المختلفة! وهو القادرة على كل الأعمال والوظائف ! أ ليس لديه الطاقات والقدرات والملكات والمواهب؟!
طبعاً هذه النظرة الكمالية للحياة غير واقعية أبداً ؛ فالإنسان بطبيعته لديه الطاقات والقدرات والملكات والمواهب الجميلة لكنه لا يستطيع عمل كل شيء في الحياة الإنسانية الجميلة! إذاً ما فائدة بقية الناس ! إذا كنت قادراً على عمل كل شيء ! والنجاح والفوز في كل شيء !
لذلك هؤلاء يرفضون القبول بالفشل والاخفاقات والإنكسارات الطبيعية ! يرفضون أن يتفوق عليهم غيرهم ! أو حتى إخوانهم أو أقاربهم ! فهم يرون في أنفسهم وذواتهم الأولى والأول فقط !
فإذا لم يوفقوا في بعض مجالات الحياة ؛ تبرموا وانطووا على أنفسهم وذواتهم ! حتى يصاب بعضهم بالأمراض والأسقام النفسية بسبب هذا الفهم لذاته وحياته !
النظرة الواقعية للحياة مطلب حياة ؛ فالحياة بطبيعتها فيها الفوز والظفر والنجاح ، وفيها على الجانب الآخر الإخفاق والفشل وعدم القدرة على تحصيل المطلوب ! وصح مني العزم والدهر أبى !

الحياة الإنسانية الأصيلة الملهمة الواعية فيها الجوانب الإيجابية الجميلة الكثيرة ، وفيها الجوانب السلبية السوداوية المختلفة ، هكذا هي الحياة ؛ وقبول السعادة والتفاؤل بالجوانب الإيجابية والوقوف عن الجوانب السلبية السوداوية مطلب حياة !.
لذلك التصالح مع النفس والذات والحياة من المطالب المهمة والإيمان بالواقعية للحياة كذلك ؛ وأنها ليل ونهار وصبح ومساء ونجاح وفشل ، وصحة ومرض ، وغنى وفقر ، وحياة وموت !

النظرة الواقعية للحياة تعيد النظرة الكمالية للحياة إلى حقيقة الحياة الإنسانية الجميلة الهادئة، وأن هناك في هذه الحياة أموراً ومجالات يمكن التحكم بها وهي في دائرة التحكم والسيطرة للإنسان ، وأن هناك مجالات وأموراً في الحياة لا يستطيع الإنسان التحكم والسيطرة عليها ، والتوازن في مطالب الحياة من التوفيق والسداد والنجاح .
ورحمه الله تعالى شاعر مصر الكبير وشاعر النيل العظيم حافظ إبراهيم
في قوله :
لا تَلُم كَفّي إِذا السَيفُ نَبا
صَحَّ مِنّي العَزمُ وَالدَهرُ أَبى !
رُبَّ ساعٍ مُبصِرٍ في سَعيِهِ
أَخطَأَ التَوفيقَ فيما طَلَبا !

المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض

د. سالم بن رزيق بن عوض

أديب وكاتب رأي وشاعر ومصلح ومستشار أسري

‫4 تعليقات

  1. جهودكم دكتور سالم بن رزيق فهذه الشربحة المستهدفة من قبل علماء النفس والمستشارين ورجال الإصلاح ولعلنا نعني بإصلاح النفس.
    صَلاحُ أَمرِكَ لِلأَخلاقِ مَرجِعُهُ …
    فَقَوِّمِ النَفسَ بِالأَخلاقِ تَستَقِمِ.

    1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      سعادة نائب رئيس تحرير صحيفة آخر أخبار الأرض
      الأستاذ الإعلامي الكبير محمد حامد الجحدلي
      شكرا شكرا لكم على مروركم الجميل
      وعلى ما نثرتموه من جميل الكلام
      في السطور السابقة …
      وجزاكم الله تعالى عنا خيرا….

    1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      سعادة الأستاذة القديرة ابتسام الجبرين
      شكرا شكرا لكم على مروركم الجميل
      وشكرا لكم على ثنائكم العاطر الجميل
      وجزاكم الله تعالى عنا خيرا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى