(الميثاق التوافقي الطلاقي )

الحياة الزوجية في حقيقتها ميثاق غليظ ومقدس ، وفي الفطرة والطبيعة البشرية السليمة تزداد قداسة وطهارة الحياة الزوجية كلما تعاقبت السنون ودرجت الأيام والليالي على الأزواج ، فهم يعرفون فضل بعضهم بعضاً ومكانة بعضهم بعضاً ، ومنزلة كل زوج عند زوجه .
تبقى المثلى العليا والأخلاق الفضلى هي التي تكسو العشرة الزوجية والأسرية على طول بقائها وديمومتها ، ويبقى الزواج في سياج هذه العلاقة الزوجية المقدسة أوفياء للزوجات؛ كما تبقى الزوجات أوفياء للأزواج على طول العهد والعمر الزواجي.
لكن متغيرات الحياة الزوجية والأسرية اليوم كثيرة وكثيرة جداً ، وتغير إقاع الحياة الزوجية والأسرية اليوم ، وتدخلت متغيرات وأحداث وظهرت للناس ظروف كثيرة ، وأصبح الوفاء بالواجبات والحقوق للحياة الزوجية والأسرية عزيزاً ، والبقاء على السيرة والطريقة في الزمان الأولي صعبة على أزواج وزوجات تترى .
وظهرت ظاهرة التوافق الزواجي على الطلاق تارة من قبل الأزواج وتارة من قبل الزوجات وتارات منهم جميعاً ، يرغبون في الإنفصال والإبتعاد عن بعضهم ، وتفضيل تجارب جديدة في حياة زوجية جديدة ، فقد أمتلأت مواعين حياتهم بما أمتلأت به .
والطلاق حقيقة حق مشروع إذا دعت الحاجة إليه كفلته وحفظته كل الشرائع والملل والنحل المختلفة والمتباينة والديانات السماوية الطاهرة كلها سواء كان مصدره الأزواج أو الزوجات أو الجهة المسؤولة في
الأحوال الشخصية عن ذلك الشأن الإجتماعي.
وظاهرة الطلاق التي غلبت على الحياة الزوجية والأسرية السعيدة هذه الأيام في حاجة ماسّة إلى التوافق الطلاقي فلا يصدر صك الطلاق بين الأزواج والزوجات حتى يتم التوافق على مبادئ وأسس وقواعد تمشي عليها الحياة بعد الطلاق عند وجود الأولاد بين الأزواج والزوجات ، ويلتزم بها كلا الطرفين الأزواج والزوجات على حد سواء وتكون هناك روادع وزواجر وتنظيمات يعرف من خلالها عواقب التراخي أو عدم الإلتزام ببنود الميثاق التوافقي الطلاقي.
إن الحديث عن الميثاق التوافقي الطلاقي مطلب إنساني فطري إجتماعي حقيقي حتي يتم ضبط إلتزامات الأزواج والزوجات لأولادهم بعد قرار الطلاق والإنفصال ، ومحاسبتهم حين التفريط في حقوق الأولاد المادية والمعنوية.
هناك أسر وعوائل يصبح أولادهم بعد الطلاق بين الأزواج في مهب الريح كمال قال العرب قديما إن كانت الأمهات هن الحاضات جاعوا وإن كان الآباء هم الحاضون لأولادهم ضاعوا !! .
وهناك من الصور الجميلة الطيبة أن في المجتمعات من التكافل الإجتماعي ما يشرح الصدر ويفرح القريب والبعيد والحمد لله ولكن الحقوق الممتدة للأولاد وعلى آبائهم وأمهاتهم بعد الطلاق والفراق يجب أن تكون واضحة وصريحة ومحددة وموثقة في ميثاق حقيقي يراه الجميع أمام أعينهم قبل الزواج وأثناء الزواج وبعد الطلاق والفراق بين الزوجين الكريمين.
قد تقوم الوثائق التي تصدرها محاكم الأحوال الشخصية في حفظ وتوفير الاحتياجات الضرورية والأساسية للأولاد كالمآكل والمشارب والمساكن والمصاريف الدراسية والموسمية إلا إن الأمر بحاجة إلى توسيع تلك الوثائق لتشمل الجانب المعنوي للأولاد كتوفير الأمن والأمان والاستقرار والهدوء والسكينة والراحة والسلامة والعزة والمنعة والرحمة والمودة .
إن المثياق التوافقي الطلاقي يجب أن يحتوي على الجوانب والمجالات الاجتماعية المختلفة التالية :
أولاً: المجال الروحي الإيماني :
وتكون عناصر هذا المجال في الجانب الإيماني للأولاد والحرص على متابعتهم في المحافظة على الصلوات والعبادات والقربات الحسنة .
ثانياً: المجال الأخلاقي السلوكي :
الإهتمام الكبير بمتابعة نمو الأولاد وتدرجهم في هذا المجال بحيث يتم دعمهم وتشجيعهم على الأخلاق الفاضلة .
ثالثاً: المجال العاطفي الشعوري :
ويكون التركيز في هذا المجال على العواطف والمشاعر وبناءها البناء السليم وممارسة التعزيز والتحفيز لدى الأولاد ويكون جانب الممارسة والتطبيق في جوانب حياتنا أصدق مثال وأكبر داعم لبناء قناعتهم.
رابعاً: المجال الأمن النفسي :
هذا المجال يشعر الأولاد جميعاً بوجوده أو بعدمه عندما يكون الأطراف قريبين منهم ويشعرونهم بالأمن والأمان والاستقرار والهدوء والسكينة والراحة والسلامة كل ذلك يسري في نفوسهم وقلوبهم وأرواحهم.
خامساً: المجال الصحي :
يرسم للوالدين الخارطة الصحية للمحافظة على سلامة وصحة وعافية الأولاد من حيث الأطعمة والأشربة الصحية السليمة والغذاء الصحي السليم الذي يساعد في بناء الأجسام والأبدان والعقول .
سادساً: المجال العلمي والتربوي :
يعد المجال العلمي والدراسة العلمية من أبرز المجالات التي على الطرفين الإهتمام بها والحرص على العناية كل العناية بالأولاد فيها ، من حيث المتابعة اليومية والأسبوعية والشهرية وكذلك المجال التربوي مع الطرف المباشر مع الأولاد…
المصلح والمستشار الأسري
د. سالم بن رزيق بن عوض