كُتاب الرأي

( الموز ، وحياة الغرباء )

 

محمد سعد الربيعي

( الموز ، وحياة الغرباء )

أنعم الله علينا بنعمٍ كثيرة ، وكبيرة ، لاتعد ولاتحصى في هذه الدولة الكريمة العظيمة ،مملكة الخير والعطاء ، مملكتنا العظمى، حيث لم نشعر نحن شعبها وأبنائها أننا حُرِمنا في يوم من الأيام عن أي شيء نرغبه كشعب سعودي ، بل تقف الدولة تساند الشعب في تحقيق تلك الإحتياجات ، وسد الفراغ الذي قد تحدثه بعض الدول عندما تمنع تصدير بضائعها ، أو تمويناتها التي قد يحتاجها الشعب السعودي ، والأمثلة على ذلك كثير ، وفي الغالب تقوم الدولة بتسديد القيمة الإضافية التي ترفعها الدول المنتجة عند شح صادراتها أو ماشابه ذلك ، والأمر ينطبق على كل الواردات ، من مواد تموينية ، الى حتى الخضار والفواكه ، وتسهيل دخولها من دول عدة لمنع الزيادة التي قد تحدث عند الاستيراد مثلاً من دولة واحدة ، حيث تفتح الخيارات ، وتعطى وزارة التجارة والجهات المسئولة كافة الصلاحيات من أجل توفير تلك المتطلبات وبشتى أنواعها.

الشاهد في هذا المقال فاكهة الموز ، وسوريا ! وما لوحظ بعد طرد عائلة الاسد ، واندحار الفرس من أرض هذه الدولة الأبية ، من عودة بيع هذه الفاكهة التي كان الحصول عليها عصياً في حكم الاسد الجائر ، ولعل الحديث بالحديث يذكر ، عندما كنت شاباً وفي مرحلة الثانوية ، كنت أذهب من مدينتي الى مكة المكرمة في الحج ، وأعمل في خدمة حجاج بيت الله ، بالطبع في مهن مختلفة ، مرة كبائع فاكهة ، ومرة المشاركة مع والدي في تجارة المواشي ، وتحديداً في مجزرة منى ، وهذه كانت في أثناء دراستي لمرحلة المتوسطة ، ولكن في المرحلة الثانوية أستقليت نوعاً ما، وعملت بنفسي في أنشطة مختلفة ، تنتهي بنهاية الحج ، وفيها مردود مالي جيد ، على مقدار تلك الحاجة في تلك الايام وزيادة على ذلك .

وعوداً على بدء أقول في إحدى تلك الحجج التي عملت فيها كفكهاني مستقل ، وبجهود شخصية منفردة لاحظت حجاج ليبيا أثناء حكم القذافي يشترون فاكهة الموز بشكل ملفت ، وأصبح ينفذ من عربيتي أو كشكي المحمل بأنواع الفواكه المختلفة ، كما لاحظت أن الغالب ، بل السواد الاعظم من الحجاج الليبيون يبحثون عن هذه الفاكهة ويشترونها ، وعندها بدأت أزود بضاعتي من هذه الفاكهة ، وسألت الكثير منهم الذين وجدت غالبيتهم من قبائل هذه الجزيرة العربية ، ولا أنسى أنني قابلت في المخيم الليبي القريب من مكان تجارتي الصغيرة الكثير من قبيلة الشيابين ، وبني مالك ، ولم أستغرب ذلك حيث وجدت فيهم نفس عاداتنا ، والقرابة من لهجة قبائل المملكة ، أقول سألتهم ماهي أسباب إقبالهم على شراء فاكهة الموز دون غيرها ، وبكثرة غير معهودة بين الحجاج الآخرين ، وعندها وجدت الجواب المقنع ، ومن عشرات من كانو يشترون من بضاعتي ، وهي أنهم يفتقدون لهذه الفاكهة ( الموز) في ليبيا ، وأن الدولة تحد من إستيرادها ، لم توُضح لي الأسباب تلك الايام لعدم معرفتي بدهاليز سياسة القذافي الدامية! حيث لم أحاول أن اعرف السبب ، وقال لي البعض بأن الموز لديهم لايحصل عليه الا سادة القوم ، والقريبين من الحكومة .

بعد أن تخلص السوريون من نظام الأسد ، وطردوا سلطته الغاشمة ، استعدت شريط ذكريات الحج ، والليبيين والموز ، حيث لاحظت نفس تلك المشكلة التي كانت في نظام القذافي ، ومنعه إستيراد فاكهة الموز ، أو الحد منها فقط للقريبين من سلطته في الجمهورية الليبية وكتابه الأخضر ، ومشيخته ككبير رؤساء وملك أفريقيا، وكيف كان يُحرم أكل الموز على شعبه! تذكرت تلك الايام الجميلة في مكة المكرمة وشراء الحجاج الليبيين لفاكهة الموز دون أن يسألوني عن السعر ، وهنا تعود عقارب الساعة ، ونتسآل عن هذه الأنظمة الشمولية ، وسر منع بيع فاكهة الموز ، أو منع إستيرادها ، أو المغالاة في سعر هذه الفاكهة ليقف سواد هذه الشعوب الاعظم من عدم القدرة على شرائها أو تأمينها !

ماتمت ملاحظته من عودة بيع فاكهة الموز في سوريا بعد طرد نظام الاسد ، بالطبع من ضمن الكثير مما عاد للساحة السورية ، وإستبشر به المواطنيين السوريين ، وكان قبل ذلك محرماً على هذا الشعب الطيب الذي واجه كل أصناف العذاب من هذا النظام الفاجر ، عادت فاكهة الموز لعربيات ، وأكشاك بيعه ، بل المناداة والحراج عليه ، والفرحة تبدو على وجه البائع والمشتري على حدٍ سواء ، ليتمكن الجميع من شراء فاكهة الموز التي لم تكن بأي حال من الأحوال تدخل بيوت الفقراء ، بل الغرباء من شعوب هذه الدول الشمولية التي تمنع عنهم سلطاتهم ، وحكامهم البائدين كل ماتنعم به شعوب الدنيا الاخرى .
نعم أن شعوب تلك الرئاسات الشمولية التي طُرد البعض منها ، وسُحل الآخر ، كانو يعيشون في أرضهم وبلادهم كغرباء ، وأُجراء في نظام شمولي بلشفي أحادي النظرة ، وغير آبه بما تتعرض له شعوبها من ظلم وضيق حالة يد ، مع إطلاق يد أجهزتهم واستخباراتهم في الجهة الاخرى لمنع أبسط الحقوق التي تريد وترغب فيها هذه الشعوب الكادحة ، ولو على الأقل الحصول على فاكهة الموز ، كمطلب شعبي صغير لايمثل خطورة على تلك الأنظمة الظالمة المستبدة بشعوبها،،،،

كاتب رأي

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى