كُتاب الرأي

المنديل الكشفي بين التقدير والابتذال

المنديل الكشفي بين التقدير والابتذال

 
شهد العالم الكشفي، كعادته مطلع أغسطس، احتفاله السنوي باليوم العالمي للمنديل الكشفي؛ هذا الرمز الذي لا يُختزل في قطعة قماش تطوق العنق، بل يتجاوز ذلك ليحمل في طياته معنى الانتماء والالتزام والمسؤولية، بل وتاريخاً من القيم النبيلة التي ترسّخها الحركة الكشفية في نفوس منتسبيها.
غير أن ما حدث هذا العام – للأسف – شكّل خيبة أمل عميقة لكل من ينتمي بإخلاص للحركة الكشفية، أو يفهم جوهرها، ويستشعر قيمها الحقيقية؛ فقد جاءت مظاهر الاحتفاء بالمناسبة من بعض من يُفترض أنهم قيادات كشفية – أو من المحسوبين على القيادة – سطحية في مضمونها، هزيلة في رسالتها، بل ومسيئة في بعض صورها وفيديوهاتها التي انتشرت على منصات التواصل، فتجاوزت حدود الذوق، ومارست نوعاً من الابتذال الذي شوّه صورة المنديل بدلاً من أن يكرّمها.
ما حدث لم يكن مجرد اجتهاد خاطئ، بل كشف عن خلل أعمق: ضحالة في الفهم الكشفي، وجهل بأبجديات الرمز الذي يحتفلون به؛ فمن منشورات لا تليق إلا بواجب مدرسي لتلميذ في صفوفه الأولى، إلى صور ومقاطع لا ترتقي حتى لمستوى العمل الكشفي الشعبي البسيط، كانت النتيجة أن ظهرت هذه المناسبة – في أعين المتابعين – فارغة من معناها، لا تحمل أي رسالة جادة أو صورة مشرفة عن الكشفية وقادتها.
والحق أن النقد هنا لا يشمل الجميع، بل هناك نماذج مشرفة لا بد من الإشادة بها، أمثال الخبير الكشفي الأستاذ طارق فايد، الذي لخص المسألة بدقة قائلاً:
“نريد أخلاق الكشافة قبل منديل الكشافة”،في تذكير بليغ بأن المنديل ليس للزينة، بل عهد ومسؤولية، وأن ارتداءه لا يتم إلا بعد تأهيل حقيقي ووعي عميق بمعناه.
وكذلك ما طرحه الخبير الكشفي الأستاذ عبدالله شويل الغامدي، حين قال:
“كل عقدة تحكي عن مغامرة، وكل لون يرمز إلى قيم ومبادئ سامية…”ليؤكد أن المنديل ليس زياً بقدر ما هو هوية، وعهد، وتاريخ، ومسؤولية أخلاقية تتجاوز الحدود الجغرافية لتوحّد الكشافين حول رؤية واحدة: بناء عالم أفضل.
إن ما نحتاجه فعلاً هو أن يُراجع هؤلاء أنفسهم قبل أن يراجعوا محتواهم؛ فالاحتفاء بالمناسبات الكشفية لا يكون بالمظاهر الجوفاء أو المحتوى المبتذل، بل بالوعي، والرسالة، والصورة التي تصل للعالم وتعكس عُمق هذه الحركة الإنسانية؛ ومن لم يفهم ذلك، فعليه أن يترك الكشافة لأهلها، لأولئك الذين تنفسوا قيمها، وتشكّلت أرواحهم في معسكراتها، وارتدوا المنديل عن جدارة لا مجاملة.
نأمل – بكل صدق – أن تحمل الأعوام القادمة وعياً أعمق، وتفاعلاً أكثر نضجاً، يليق بالمنديل، وبالرسالة التي يمثلها، وبالحركة الكشفية التي نحن جميعاً مطالبون بتمثيلها على خير وجه.
 

مبارك بن عوض الدوسري

@mawdd3

 

مبارك عوض الدوسري

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى