كُتاب الرأي

الملمس الناعم والحقيقة القاسية

 

الإنسان معرّض في هذه الدنيا للكثير من الابتلاءات ، وتمر به العديد من التجارب، والمواقف،كالضيق في الرزق، وتعسر الأمور، أو الإصابة بالأمراض،أو فقدان أحد من الأهل ، كثيرة هي المصاعب التي يمكن أن تمر به وقوية تلك الخطوب التي تتكالب عليه، ومع ذلك نراه صامدًا باستطاعته التأقلم معها، وفي مقدوره التكيف أمامها ؛ حتى يعيش أو على الأقل يشعر بالعيش، كون الحياة الدنيا مجرد مسرح يختار فيها الفرد ناصية فيقعد على أحد كراسيه ليبدأ رحلته معها مرات تصيبه الفرحة وكرات تلفحه الدنيا بالإحباط، وكثير أوقات تعسفه الأحداث فتنغص عيشه ويمكن أن تضعف إرادته أو يقل شغفه، ولكنه -أيضا- يقوى على الوقوف لأنه لا يستسلم.ومع هذا الجهاد المستمر في مواجهة النوائب، والاستماتة القوية في دحر الظروف إلا أنّ هناك شيئًا واحدًا يشكل هاجسًا موجعًا له، يشتت تفكيره، ويفرق طاقته، ويشل أركانه،شيء مؤلم ؛ مؤلم للغاية، قاسٍ في جوهره وشكله، مخيفٌ في مضمونه، وصورته ، إنه مواجهة التخفي خلف الأقنعة.فخلف الأقنعة وجوه مشوهة ، وجوه لا علاقة لها بالأخلاق، وليس لها أي ارتباط بالقيم ،تتجرد من عمليات التجميل التي صنعها التملق والتزلف، تعود لطبيعتها بعد تعريتها من وسائل الزيغ، وطرق النفاق.
إن الحياة حين تكشف لك الأقنعة الزائفة فإنها بذلك تعطيك أبشع صورة للتربية، لدرجة أنك تحتاج فترة ليست بالقصيرة حتى تستوعب ما حدث معك!! شيء فوق مستوى الوصف ، شيء يجعل من فمك جافًا تحاول جاهدًا أن تبلع ريقك لكنك لا تقوى.
الحياة -أيضا- تكشف لك حالة التوهم التي كنت تعيشها بشأن علاقتك بأولئك المتنفعين، وهي بالتأكيد أرسلت لك في السابق إشارات، وعلامات لكنك وقتها لم تكن أكثر تركيز على إعمال العقل ، أهملته طوعًا رغم أهميته، بل أنك أقصيته وحركت عاطفتك، وفي هذا ملامح تدل على ما يقع فيه أصحاب القلوب النقية التي لا ترتبط مصالحها بالانتفاع المادي بل تتعلق بتحقق القيم وثبات المبادئ والسعي في الحصول على المْثل العالية وتطويع النفس لتكون قدوة على أصل ثابت.
إن المتاجرة بالقيم والمبادئ والتسلق على أكتافها للوصول إلى الغاية هو ضرب من النفاق، وتجارة كاسدة وفاسدة، وخداع للتربية، ومكر على الصدق والحقيقة.
لقد كثرت في هذا الزمان مثل هذه السلوكيات، وانتشرت في أوساط الكثير من العاملين في القطاعات وفي المجتمعات، تجد البعض يبذل الأسباب ، ويدنو من الآخرين ليس حبًا فيهم ؛ إنما من أجل مصلحته، ظانًا أنه بذلك الفعل وارتدائه الأقنعة سيحقق المستحيل بينما كل يوم يفقد وزنه أمام ضميره إن كان له ضمير.
لقد غيّب عنه قصدًا لا سهوًا – أقول غيّب عنه – أنّ الإنسان خلقه الله على فطرة سليمة لا يخالطها كدر ولا ينغّصها الكذب.
الواقع نحن لا نبحث عن رمي الاتهامات جزافًا ، أو أننا نجرد المجتمع من مضامينه السامية التي يمتدها أفراده من الدين الإسلامي ، فمجتمعنا المسلم عظيم وبه الكثير من المزايا التي يتقنها جيدًا أفراده ، نحن نسلط الضوء على تلك السلوكيات التي لا ينبغي أن تنتشر في أوساط المجتمع المسلم ، ولا نريد أن نقف – مستقبلاً- في حالة ذهول تام لما يتم ممارسته من أخلاقيات لا تتعلق بقيمنا الإسلامية التي دعا إليها رسولنا الكريم-صلى الله عليه وسلم- ونفّرنا مما يخالفها ؛ ولأن تغير الوجوه دليل قاطع على سوء التربية، وانتفاء للهوية الإسلامية النبيلة ؛ فإنه من الواجب علينا محاربة مثل هذه الصفات والوقوف في وجه من يعتقدون بصلاح ذي الوجهين، لأنه ليس هناك أي مسوغ للنفاق ولا يوجد أي مبرر لتبني مثل هذه السلوكيات، نحن لا نريد أن نصحو يومًا ونجدها أصبحت منهجًا حياتيًا مشؤومًا تتآكل معها القيم وتتفتت فلا نعد نرى الأفراد والمجتمعات تتعامل بثقة مع بعضها البعض.
إنّ المنافق -كالحية ملمسها ناعم وفي أنيابها العطب- أقول إنّ المنافق مهما اكتسب من مناصب أو قوة أو سلطة سوف ينكشف يومًا على حقيقته ؛ كونه كالحديد مهما صبغته بماء الذهب يبقى معدنًا خاليًا من البريق ، سوف تتآكل تلك الطبقة الرقيقة ويرجع لطبيعته، سيأكله الصدأ ويرمى جانبًا، هكذا هو المنافق ذو الوجهين مهما بلغ به إتقان التمثيل فإن المواقف ستكشفه على حقيقته بالتالي نراه يفر منها كلما رأها تشتد، وينقل الصورة القبيحة لذي الوجهين، بالتالي تتعرى الوجوه، وتنكشف الخفايا المكنونة للنفس.
انتهى

علي بن عيضة المالكي

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى