كُتاب الرأي

المظهر الجمالي للمدن.. واجهة حضارية ومسؤولية مجتمعية

المظهر الجمالي للمدن.. واجهة حضارية ومسؤولية مجتمعية

يُعد المظهر الجمالي للمدن انعكاساً مباشراً لمدى رقي المجتمع ووعيه، ومؤشراً على مستوى الاهتمام بالبيئة الحضرية وجودة الحياة، حيث لا يقف الجمال عند حدود المباني الحديثة أو المساحات الخضراء فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى تكامل المشهد العام في الطرقات والميادين والحدائق، بما يحقق صورة متناسقة مريحة للعين ومشجعة على الإحساس بالانتماء؛ ومن هنا تأتي أهمية البعد الجمالي في التخطيط الحضري الذي لا يقتصر على الوظائف العملية، بل يدمج عناصر الجمال في النسيج العمراني ويجعل من المدن أماكن أكثر إنسانية وبهاءً.
إن تحسين المظهر الحضري ليس ترفاً أو شكلاً من أشكال التجميل السطحي، بل هو حاجة أساسية ترفع من جودة الحياة، وتساهم في جذب الاستثمار والسياحة، وتعكس صورة إيجابية عن المجتمع أمام الزوار؛ فالمشهد الحضري المنظم والمرتب يمنح الفرد شعوراً بالراحة والسكينة، ويخلق بيئة تدفعه نحو الإنتاجية والالتزام بالقيم المدنية، فيما تسهم المدن الجميلة في بناء ذاكرة بصرية مشرفة للأجيال القادمة؛ وعلى النقيض، فإن التلوث البصري يعد خطراً حقيقياً على المشهد العام للمدن، حيث تتعدد مظاهره من العشوائية في اللوحات الإعلانية، وتكدس النفايات في غير مواضعها، إلى التشوهات الناتجة عن الكتابات العشوائية على الجدران أو الأبنية المهملة أو الممارسات التي تفتقر إلى الذوق العام؛ هذه المظاهر تضعف الانسجام البصري وتؤثر سلباً في إدراك الناس لمكانتهم ومجتمعهم، وتنعكس على نفسياتهم وتولد شعوراً بعدم الراحة والرضا.
وليس دور الجهات الرسمية وحدها هو المسؤول عن التصدي للتلوث البصري وتحسين المشهد الحضري، بل إن المواطن والمقيم على حد سواء يمثلان طرفاً رئيساً في هذه المعادلة؛ فالتصرفات الفردية غير المنضبطة قد تسهم بشكل مباشر في خلق الفوضى البصرية، سواء من خلال إهمال النظافة، أو وضع الملصقات والإعلانات غير النظامية، أو التعدي على الأرصفة والمرافق العامة، أو ممارسة سلوكيات تقلل من جماليات المكان؛ ومن هنا تبرز أهمية تعزيز وعي المجتمع بأثر تلك الممارسات في تشويه المدن، والعمل على تنمية الحس الجمالي لدى الأفراد ليصبح احترام المشهد الحضري قيمة راسخة.
كما أن للجهود المجتمعية المنظمة، مثل مبادرات التطوع البيئي، وحملات التشجير والتنظيف، والتوعية الإعلامية دوراً مهماً في مواجهة التلوث البصري والحد من آثاره؛ فالعمل الجماعي يسهم في غرس ثقافة المحافظة على البيئة الحضرية، ويدعم جهود الدولة في تحقيق التنمية المستدامة ورؤية المملكة 2030 التي وضعت جودة الحياة في صميم أولوياتها.
 إن المظهر الجمالي للمدن ليس مجرد زخرفة للعيان، بل هو رسالة حضارية تعكس وعي المجتمع، وتبرز قيمه وثقافته، وتعزز من مكانة الوطن في أعين أبنائه وضيوفه، وهو مسؤولية مشتركة تتطلب تكاملاً بين الجهات المعنية والمجتمع بكل أفراده.

مبارك بن عوض الدوسري

@mawdd3

مبارك عوض الدوسري

كاتب رأي وإعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى