كُتاب الرأي
المضامين الإيمانية والتربوية في خطبة حجة رسول الله(صلى الله عليه وسلم )

المضامين الإيمانية والتربوية في خطبة
حجة رسول الله(صلى الله عليه وسلم )
عندما يجتمع الأتباع والأنصار والمحبون المخلصون في مكان واحد ؛ فإن الحديث معهم يكون من شغاف القلب ومن أصل الحق والحقيقة ، وتكون السمات على تلك الكلمات التي يختارها القائد هي وصايا الحبيب المشفق، وتوجيهات الوالد الحنون ، وعبارات الرحمة والرأفة والسلامة .
ويظهر فيها كمال الحكمة ، وجمال العبارة ، واختصارها قدر المستطاع ، وفي سريان وجريان الكلام والعبارات يعلوها الصدق الخالص والمشاعر الدافئة الحية للحياة كلها ، وهو يحاول أن يعطي الأتباع عصارة الرسالة ! ولباب العقل ! ومختصر الوصايا والتوجيهات التي يسعدون بها في الدنيا والآخرة.
كانت تلك بعض المشاعر والأحاسيس والعواطف التي كانت تصاحبني وأنا أستمع وأستمتع إلى خطبة حجة الوداع لرسولنا ونبينا وقدوتنا وحبيبنا وسيدنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم .
وإليكم طرفاً من خطبة حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وردت في كتب السنن ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : استنصتوا لي الناس ( أي مروا الناس أن ينصتوا ) فإن رسول الله ونبي الله صلى الله عليه وسلم سوف يتحدث إليكم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا ، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ ، وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ ، وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ ، فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ ، كِتَابُ اللهِ ، وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي ، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ ، فَقَالَ : بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ ، يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ ، اللهُمَّ اشْهَدْ ، اللهُمَّ اشْهَدْ ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
ثُمَّ أَذَّنَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ ، وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشمس. ).
إنّ هذه الخطبة العظيمة من جوامع الكلم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد نظر عبر الأجيال القادمة إلى الوصايا التي يحتاجها الناس عامة والعرب على اختلاف مشاربها وقبائلهم خاصة ، فأكد على قضايا عظيمة طرقت وعرضت مبسوطة في القرآن الكريم لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هنا اليوم يريد أن يرسل رسائل محددة ومركزة ، فبين يديه طليعة الإسلام الأولى ، وهم الذين سوف يحملون تعاليمه وتوجيهاته وأخلاقه إلى مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها.
من المضامين الإيمانية والتربوية التى وردت في أطراف خطبة حجة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) :
أولاً: إفراد الله تعالى بالوجود المطلق والوحدانية المطلقة:
الله تبارك وتعالى له كمال الوجود المطلق وكمال الوحدانية قال عن نفسه المقدسة تبارك وتعالى :
( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ) .
وإن كان وجود الله تبارك وتعالى من لوزام الوجود وأن ذلك مغروس في الفطر السليمة إلا أن هذه الفطر قد يطرأ عليها من شوائب الآباء والأمهات ومن خلطة الصحبة الطالحة ومن رواسب الشيطان ، كل ذلك يغيرها ويركسها في الباطل والشر والخطأ .
فإفراد الله تعالى بالتوحيد وإفراده بالوجود المطلق والوحدانية أمرٌ في غاية الأهمية وخصوصاً في عصر الناس اليوم .
وتذكير الناس دائماً وأبداً بوجود الله تعالى وبقربه وبمراقبته وبإطلاعه عليهم ليس من نوافل التذكير وإنما من عزائمه العظيمة.
ثانياً: البشرية كلهم على إختلاف ألوانهم ومشاربهم وأعراقهم ولغاتهم وأديانهم وثقافتهم وبلداهم كلهم من نبي الله تعالى آدم عليه السلام وآدم عليه السلام مخلوق من التراب ، فلا يعلو لسان على لسان ولا عرق على عرق ولا لون على لون ولا جنس على جنس ، الناس في ذات الله تعالى سواسيه كأسنان المشط الواحد ، هو ربهم وخالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم وهم عباده المكرمين عنده تبارك وتعالى. يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عند الله تعالى بالتقوى وحسن العمل والإيمان والسلامة.
ثالثاً: إن الله تبارك وتعالى قد أخبر في كتابه العزيز عن نفسه وأنه تبارك وتعالى أمر فيه ونهى ، فمما أمر به تبارك وتعالى حرمة الدماء ، فالمسلم يعلم عظمة وحرمة الدماء للناس جميعاً ، فالدماء كلها معصومة محترمة ومصانة ولا يحل لأحد أن يسفك الدماء بغير حق . ثم هو يصدر أمراً بإنهاء الاقتتال الذي لا طائل منه سوى السفك وهتك للدماء المحرمة المعصومة.
والإسلام العظيم جعل من مقاصده حفظ النفس ، فالنفوس في الإسلام آمنة محفوظة حرام حتى إخافتها فضلاً عن قتلها.
رابعاً : كذلك عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم حرمة أخذ المال بغير حق ، وحرم كل أخذ مال بغير حق أمر موضوع تحت قدمي ، فأغتصاب الأموال وسرقة الأموال ، والاحتيال في الحصول على المال ، والربا والرشا والغش في المال ولأجل الحصول على المال أمر موضوع تحت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي باطل باطل باطل .
وحفظ المال جعله الإسلام مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء ، فالأموال مصونة محفوظة ولا يجوز أخذها بغير حق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) .
خامساً : النساء شقائق الرجال ، فالمرأة أمّاً أو أختاً أو زوجة أو بنتاً حق على الرجل حفظها وصيانتها ورعايتها وحسن تربيتها والصبر عليها وإكرامها ومعاملتها بالفضل والإحسان إليها ، وهذا هو الكمال في التعامل مع المرأة الطيبة الجميلة الهادئة على مر التأريخ المديد لم تعرف المرأة الطيبة الجميلة الهادئة ديناً ولا نظاماً قدم لها هذه الحقوق غير الإسلام وغير نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم…
فهو يراها الدّرة المكنونة المصونة وعلى الجميع حفظها ورعايتها .
سادساً: أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع إلى أهمية قيام الزوجة بالواجبات المنوطبة بها تجاه الزوج وكذلك على الزوج أن يقوم بالواجبات تجاه الزوجة ، وأن يتقوا الله تعالى في إماء الله تعالى فإنهن أسيرات البيوت الطيبة المطمئنة، ولكي تعيش البيوت الطيبة المطمئنة الحب العشرة الزوجية والأسرية السعيدة وتؤدى أدوارها في التربية والتعليم والتنشئة الطبيعية السليمة الحسنةفإن على الجميع القيام بالواجبات المطلوبة منه .
سابعاً: أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع إلى أهمية التآخي بين المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات وأن الشيطان الرجيم يسعى في التحريش بينهم ويرضى بهذا الحد من الأذى لما فيه من خطورة على شق الصفوف وتصدع الكلمة وذهاب الريح والقوة وإضعاف الصفوف الإسلامية. وجعلهم غنيمة سهلة للأعداء المتربصين بهم .
ثامناً: أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع إلى شيء إذا تمسكت به الأمة الإسلامية العظيمة لن تضل أبداً بعده وسوف تكون عصّية على الشيطان وصحبه وحزبه ، وهو التمسك بالكتاب العظيم القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فهذان النوران اللذان يعصمان الأمة من الضياع والزوال والفناء ، بإذن الله تعالى… فهي أمة السلام وهي أمة الخير والفضل وهي أمة الإحسان وهي أمة الهداية والصلاح والبركة .
تاسعاً: كانت كلمات وعبارات ووصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع تنضح بالحب والمحبة والرأفة والرحمة والشفقة والحرص على هداية وصلاح الناس جميعاً ، ونشر دين الله تعالى في الأرض وتبليغ المشارق والمغارب به .
عاشراً : أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع إلى يوم البعث والنشور والوقوف بين يدي الله تعالى الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، فيسألهم وهو أعلم
وأحكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيردد الناس جميعاً : نشهد أنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة، وهو تركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك .
ونحن بعد خمسة عشر قرناً على زمن الوحي والرسالة والهجرة المباركة نشهد أن رسولنا ونبينا وقدوتنا وحبيبنا وسيدنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة الإسلامية وتركها على البيضاء ليلها كنهارها. فصلى الله عليه وسلم عدد ما هبت النسائم وعدد ما صدح على الأيك الحمائم.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبك وحدك لا شريك لك أن تمن علينا جميعاً بالعفو والعافية والمعافاة الدائمة في الأهل والمال والولد .
اللهم إنا نسألك رضاك والفردوس الأعلى من الجنة ونعوذ بك من سخطك والنار يا رب العالمين.
اللهم تقبل من الحجاج حجهم ومن المعتمرين عمرتهم ومن الصائمين صيامهم ومن الذاكرين الشاكرين ذكرهم يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك العون والتوفيق والسداد لحكام بلادنا المباركة …
اللهم وفق خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله تعالى وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله تعالى ورعاه لما تحبه وترضاه يارب العالمين وأصلح لهما البطانة الصالحة الكريمة الناصحة.
اللهم إنا نسألك الأمن والأمان والاستقرار والهدوء والسكينة والراحة والسلامة في بلدنا هذا المملكة العربية السعودية وسائر بلاد الإسلام والمسلمين …
آمين آمين آمين يارب العالمين…