المسافة الموحشة بين الشك واليقين

المسافة الموحشة بين الشك واليقين.
هناك مسافة خَرِبَةٌ تتسم بالغموض ، مسافة فارغة غير واضحة ، منطقة مهجورة كئيبة، تحدث بين الشك واليقين.
إذ أنّ المدى الفاصل بين عدم اليقين، والتثبت يرتفع فيه عزمُ الشك وينشط فيأخذ صورًا شتى ، ويتجلى سوء الظن، وتغرق النفس في كيل الاتهامات،ويصعد مستوى التشكيك في النوايا، حتى يصل هذا الصعود للحد الذي يجعل من الفكر يتغول في غابة موحشة، تتصف بالكآبة، والكراهية لكل ما هو حولها، تسوق المرء سوقًا بلا مقاومة منه، أو حتى معارضة ، أقول تسوقه إلى التحول نحو استخدام ممارسات قهرية تقتحم الذهن ، ويصاب صاحبها بالوسواس، والحساسية المفرطة تجاه البعض ، وتفسير بعض التصرفات التي تحدث معه وتمر به بالرغم أنها طبيعية يفسرها بأنه مقصود ومستهدف، بل ويمتد إلى أبعد من هذا إذ يقوم بتكرار فعل الأشياء بصورة غير منطقية تستهلك منه وقتًا، وجهدًا، وتجعله ينطق بأشياء من غير تركيز ، هذا الفعل وردات الفعل تقلل من جودة الحياة وتعرقل عمل المسؤوليات اليومية التي يفترض أن يقوم بها الشخص بصورة طبيعية، بل أن البعض يصل به تفكيره إلى الدرجة التي لا يميز فيها بين الصح والخطأ ، والعدو والصديق، والكاذب والصادق تغلب عليه نفسه ، ويطغى عليه رأيه ، ويدمره البغض والكره ، ينظر للآخرين على أنهم أسوأ البشر ، ويتحول إلى أداة مشحونة بجميع أنواع التوقعات السلبية، يحدث هذا في ظل استحكام هوى الرأي ، والإطباق بقوة على عناصر المعرفة وتعطيل العمل في المهارات الفكرية المعتدلة واقتياد العقل إلى جهة السخافة والفساد المبرمج، مع تعزيز في هبوط المبادئ، والتخلي عن الرقي الأخلاقي، واعتناق أفكار هامشية لا قيمة لها ولا وزن.
إنّ الشك في نوايا الآخرين يمكن له أن يكون مفيدًا في حالات استثنائية لاستخراج الحقائق ، خاصة في بعض القضايا التي تلامس حياة ومستقبل الناس وأمنهم واستقرارهم، ولكن هذا ليس موضوعنا في هذا المقال ، موضوعنا يركز على تلك المسافة المقطوعة بين التوهم والحقيقة.
إن الشك إذا خرج عن الدائرة المقصودة وزاد عن إطاره ودخل في نفق رمي الاتهامات جزافًا،من غير تثبت، أو تقديم أدلة واضحة،وانبرى صاحبه بالتشكيك في صدق ونوايا الآخرين ووفائهم وإخلاصهم ومحبتهم فالأفضل أن يقوم الشخص بزيارة الطبيب لمعاينة التاريخ الدوائي والنفسي له .
في ظل الضغط المستمر على الفكر بصورة سلبية هناك من يتمظهر له شكليًا، أن الجميع ضده ، تجده يشكك في الوفاء، والتسامح،والسلام ، والمحبة، والوئام، ويذهب لأكثر من ذلك حين يشكك في الالتزام بالمثل العليا كالصدق ، والاستقامة ، والإخلاص ، ونقاء السريرة ، وصلاح النية، ويفسرها بالطريقة التي توافق الحالة الذهنية عنده ، هذا السلوك يؤدي إلى اهتزاز الثقة ويصيرالاعتقاد سائدًا أن ما يحدث له من انتكاسات ، سببه التآمر عليه ، والرغبة في النيل منه.
هذه الشخصيات التي تتسم بالشك المرضي غالبًا يعيشون في حالة تأهب قصوى ، يدافعون عن أنفسهم بأقصى قوة ، لأنهم يعتقدون أن الناس يهاجمونهم، ويكيدون لهم، ويتآمرون عليهم، بينما هم يتردون من ارتفاعات شاهقة،فيسقطون في حفرة الشك السحيقة فلا يستطيعون الفكاك منه بسهولة ، لذا يتعين عليهم اتباع الإرشادات التالية لضمان تخلصهم من تلك المسافة الموحشة في صعوبة التعامل مع عدم اليقين، وطرد الأفكار غير المرغوب بها حتى لا تتأذى النفس ويتأذى الآخرون.
وأولها الاعتراف بالمرض وعدم الاعتقاد أن المشكلة تتعلق بغيرهم ، هذا الاعتراف قد يساعدهم على الذهاب إلى طبيب العيادة النفسية لتشخيص الحالة، إما بالتخلص من الأفكار العدوانية بالجلسات أو التدخل الدوائي.
ثانيًا : بعد التشخيص سوف يقرر الطبيب ما إذا كان مريض الشك بحاجة إلى الاخضاع للتدريب على بناء الثقة ، وتوسيع مفاهيم التعاطف والشعور بالوجودية المفيدة، وتعزيز الثقة بالنفس ، والتمرين المستمر على مهارات التكيف الاجتماعية، أم لا! لأن العلاج الإدراكي يساعد في التحكم بردات الفعل الناتجة من الأفعال المختلفة، بالتالي نضمن عدم الوصول إلى الحالات الحادة ، والتي تتطلب تناول الأدوية المرتبطة بأمراض خطرة كالذهان، والانفصام، أو تناول الأدوية المهدئة التي ترتبط بالقلق.
الخاتمة/
إنّ سعي الشخص إلى تحقيق نتائج لا يخالطها أدران، ولا يشوبها الكدر ، والسعي المستمر للوصول إلى الاكتمال في حياته أمر جيد لكن إذا طغت تلك الممارسات على سلوكه وشدته إلى دوائر خطرة، ومضاعفات تؤثر على صحته النفسية، واضطراب في العلاقات وعدم الرغبة بالمشاركة في الأنشطة الاجتماعية وتدني جودة الحياة ينصح بزيارة الطبيب لكيلا تتطور الحالة ، ويزيد الضغط على الصحة العقلية.
كما ينصح بتزويد مقرات العمل بفريق طبي متكامل من وزارة الصحة ،وتوفير أداة قياس فعالة، للكشف عن الاضطرابات النفسية والعقلية لضمان استقرار بيئة العمل وارتفاع الأداء وتحقيق كفاءة في الإنتاجية، وضمان المحافظة على صحة وحياة الإنسان.
انتهى
علي بن عيضة المالكي.
كاتب رأي
أينما وُجد الشك أتى الدمار في العلاقات الإجتماعية وفي بيئات العمل،، موضوع مهم مترابط الأركان.. أبدعت وأجدت أستاذ علي👍
نعم صحيح
الشك دمار لكل شيء
شكرًا، لمرورك المضيء أ/ زايدة حقوي
أنت داعم ومساند استراتيجي.
فكرك يختزل كل المسافات.
فعلا الشك مرض خطير
خاصة إذاكان منطقة عمياء بالنسبة للقيادي أو صاحب الإدارة في العمل
الثقة عنده مفقودة بالموظفين ويعتقد أن العمل لن يتم إلا بمراقبته وتداخلاته ويعتقد أن الجميع يتحينون الفرص للانفلات
مقال رائع
تحية لقلمك وفكرك
أهلا أستاذة نعيمة البدراني
أشكر لك مرورك الثمين وتخصيص جزء من وقتك لقراءة المقال.
تعليقك يزيد من جمالية المقالة ويدعم محتواها ويوفر فرص متنوعة لطرح المزيد من الأفكار وهذا مؤشر وحافز جيد للمزيد من العمل الكتابي.
ألف ألف شكر.
كاتبنا المبدع الأستاذ علي مقالك هذا يعكس عمق الفهم ووضوح الرؤية حول تأثير عدم التركيز على جودة الحياة . لقد نجحت في تسليط الضوء على أهمية التمييز بين الصح والخطأ ، وكيف يمكن أن يعيق البغض والتطرف في الرأي الفرد عن التفاعل الإيجابي مع الآخرين . أتمنى أن تصل رسالتك إلى أكبر عدد من الناس لتشجيعهم على التفكير النقدي والانفتاح على وجهات نظر متنوعة.
شكرا لمشاركتك لنا هذه الأفكار القيمة👍
أهلاً سعادة مديرة التحرير.
تبقين دائمًا في الصدارة نقدًا، وموضوعية، متفردة ومنطلقة في المقدمة.
ليس هناك منافس لك في نقاء الفكر.
شكرًا من قلبي على تفردك.